الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نوري السعيد باشا والوصي وصي والصدر قد تصدّر

بواسطة azzaman

نوري السعيد باشا والوصي وصي والصدر قد تصدّر

رياض الحسيني

 

نتيجة لولعي بقراءة المذكرات التي تناولت الحقب الغابرة من تاريخ وطني العراق وبالأخص ما حدث بعد هزيمة العثمانيين ومجيء الاحتلال البريطاني وانتدابه وما تخلله وتبعه من أحداث واتفاقيات وانقلابات ومحاور فقد لفت انتباهي ثلاث حوادث تدلّ على مدى حرص المسؤول حين يكون مسؤولًا عن مقدرات البلاد وأرواح العباد.

قرأت ذات مرة أنه لدى إنشاء الجسر الجديد عام 1957 فقد قرر أهالي الأعظمية إطلاق اسم منطقتهم عليه فسمّوه جسر الأعظمية.  لكن أهالي منطقة الكاظمية أصرّوا بدورهم على إطلاق اسم منطقتهم عليه أيضًا وسمّوه جسر الكاظمية. وقتذاك قررت حكومة نوري باشا السعيد بحكمة وذكاء أن تطلق تسمية ترضي جميع الأطراف وتجنّب البلاد الخلافات الطائفية فسمّته (جسر الأئمة) منهيةً بذلك جدلًا كاد يتحول إلى فتنة تهزّ أركان المجتمع العراقي برمّته والدولة العراقية بمؤسساتها ودعائمها. هنا تبرز حنكة القائد ومسؤولية المسؤول فقد كان بوسع الباشا أن يستغل الحدث لأغراض مذهبية او قومية أو دعاية انتخابية شخصية لكنه تصرّف كرجل دولة حقيقي ولايسعني هنا الا ان اقول أن تلتحف بلقب «باشا» يجب أن تتصرّف كباشا!

الجسر العتيق

ذكر توفيق السويدي وكذلك بابان في مذكراتهما أن سبب سقوط حكومة صالح جبر عام 1948 كان مظاهرة نظّمها الشيوعيون على (جسر المأمون) او (الجسر العتيق) في بغداد احتجاجًا على المعاهدة البريطانية – العراقية (انجلوالعراقيه) او المعروفة بـ «اتفاقية بورتسموث». اثناء هذه الاحتجاجات صادف أن بعض المتظاهرين كان يحمل سلاحًا خفيفًا أودى بحياة أحد رجال الشرطة فأمر رئيس الوزراء صالح جبر حينها بإطلاق النار وكما اشيع «حفاظًا على هيبة الدولة» فسقط اثنان من المتظاهرين قتلى. أدّت هذه الحادثة إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية والمطالبة باستقالة الوزارة فاستقال صالح جبر بعد ان اتصل به رئيس ديوان التشريفات الملكية أحمد مختار بابان وأبلغه بان عدد الوزراء قد أصبح دون النصاب القانوني وطلب منه تقديم استقالته فقدمها صالح بيك جبر على الفور في رسالة بعث بها إلى الوصي الامير عبد الاله جاء فيها ( لقد ظهر من البيانات التي ادلى بها وزير العدلية ووكيل رئيس الوزراء في قصر الرحاب ان اخطاء متعددة وقعت فأدت إلى الوضع الحاضر، ولما شعرت ان بعضاً من الزملاء المحترمين يميل إلى عدم الاستمرار في تحمل المسؤولية رأيت من واجبي ان افسح المجال لسموكم لمعالجة الوضع وذلك باختيار من ترونه لتحمل المسؤولية، وبينما كنت أريد تقديم استقالتي وكانت مهيأة امرني سموكم مساء البارحة بضرورة الاستمرار بغية توطيد الامن ومحافظة على النظام بالدرجة الاولي فامتثلت لامر سموكم وباشرت من فوري باتخاذ الاجراءات التي اعتقد انها تؤدي بالنتيجة إلى القضاء على الاضطرابات والفوضي، فأرى الآن ان لا مناص من ان اتقدم باستقالتي راجيا قبولها ). من جانبه قبل الوصي استقالة صالح بيك جبر ورد فيه ( إني مع اظهار أسفي لمفارقتكم رئاسة الحكومة اعرب لكم ولزملائكم عن تقديري للجهود القيمة التي بذلتموها لصلاح البلاد ). كما أصدر الوصي الأمير عبد الاله بيانا اذيع من دار الإذاعة اعرب فيه عن اسفه للحوادث المؤسفة التي وقعت والدماء التي اريقت واعلن عن استقالة وزارة صالح بيك جبر وأكد قبولها وطلب من جميع المواطنين الخلود إلى السكينة والهدوء.

جسر الشهداء

الجدير بالذكر أن جسر الأئمة هذا قد غُيّر اسمه بعد انقلاب 1958 بقيادة المرحوم عبد الكريم قاسم إلى جسر الشهداء تكريمًا لمن سقطوا في (وثبة 48). ما لفت انتباهي هنا أننا في زماننا هذا نشهد أوامر قتل بالجملة دون أن يتحمّل أحد المسؤولية ودون أن تُقال حكومة أو يستقيل مسؤول! كما اننا لانرى اليوم هذا الرقي في التعامل والاحترام بين المسؤولين بعضهم اتجاه البعض الاخر، ترى أين الخلل؟!

تكملة لما تقدم فاني قد وجدت تصريحًا لـكامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي آنذاك يقول فيه: «في كل مكان من العراق تمرّد وتجمّع ومقاومة والكل مجمع على وجوب الحيلولة دون تنفيذ معاهدة «جبر–بيفن». هذا يعني أن استقالة صالح جبر كانت مطلبًا شعبيًا وأصبحت مقبولة من الجميع وبالفعل تم تشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد الصدر الذي تردد في البداية في قبول المنصب.

استوقفني هنا ماذكره عبد العزيز القصّاب في مذكراته أنه في اليوم التالي لاستقالة صالح جبر «زارني أحد رؤساء العشائر قادمًا من الكاظمية وأخبرني بأن الناس هناك ضد استقالة صالح جبر ويقولون إنه أُجبر على الاستقالة لأنه شيعي»! من ذلك يتبيّن أن قبول الصدر للوزارة جاء لتلافي المضاعفات الطائفية التي قد تنجم عن استقالة جبر خصوصًا أن الصدر من عائلة شيعية ذات سمعة طيبة في بغداد والمدن العراقية وله قبول واسع من جميع الأطراف. وبالفعل فقد وافق رؤساء الأحزاب على تكليفه فأصبح محمد الصدر الشخصية التي أُلقي على عاتقها تهدئة الشارع وامتصاص ردود الفعل بعد «وثبة كانون» عام 1948 وبعد أن أدّى مهمته الوطنية ترك الوزارة بعد أربعة أشهر ونصف فقط. هذا يثبت بما لا يدع مجالًا للجدل أن الصدر قد قبل المنصب ليمنع الاقتتال الطائفي لا طمعًا في سلطة ولا طلبًا لمال أو جاه وهذا هو ديدن جميع المصلحين والوطنيين الاحرار.

ما أحوج العراق اليوم إلى مثل تلك الشخصيات الوطنية التي كانت مسؤولة أمام الله وأمام الوطن وأمام التاريخ! تاريخ لم نعشه لكننا نكتب عنه اليوم وسيأتي حتمًا من يكتب عن زماننا هذا وعمّن حكم العباد والبلاد وعمّن كان سببًا في طائفية مقيتة يدفع ثمنها كل العراقيين بلا استثناء لا رابح فيها حتى السياسي الأحمق والمسؤول الفاسد والقائد الخائن ورجل الدين الدجّال!


مشاهدات 46
الكاتب رياض الحسيني
أضيف 2025/11/15 - 12:53 AM
آخر تحديث 2025/11/15 - 2:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 10397 الكلي 12571900
الوقت الآن
السبت 2025/11/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير