الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أمي .. وخضر الياس

بواسطة azzaman

أمي .. وخضر الياس

عبد الكاظم محمد حسون

 

في أوائل الخمسينات ونهاية الأربعينات كانت السياسة تأخذ الولد من أمة تأخذه من ابيه واخوانة رغم صعوبة العيش ورغم  حاجتهم له خاصة إذا كان هذا الولد شاب يافع تخرج من دار المعلمين .. كانه لا يحمل رسالة التعليم فقط .. حيث الأمية منتشرة في كل مكان من ذلك البلد الذي يرسخ تحت حكم الاقطاع في الارياف والباشوات واصحاب النفوذ المقربين من الحاكم  في المدن .. فترى الشباب الواعي والمتعلم يدخل مجال السياسية لا من أجل نيل مكسب او وظيفة او ترفيع او امتياز .. بل من أجل قضية وطن .. وطن يشعر بأن .. من يحكمه لا يلبي حاجات شعبه ومن يحكمه منغمس في حكم خاضع للاجنبي بعيد عن الاستقلال الناجز ..لذلك يجعل كل الاعتبارات من سجن وتعذيب وطرد من الوظيفة امر وارد في كل لحظة ..لأنه جعل روحه على راحة يده دون اي خوف من أجل  تحقيق امال الجماهير العريضة ..رغم ان هنالك من يحتاجه اكثر من حاجة الوطن له  .. وهم الاهل الذين يعيشون تحت ظرف اقتصادي صعب ... اهل لا يمتلكون  سوى معيل واحد  يعمل على قدر الحال . لا يجني من تعب يومه الا الشيء القليل من الدراهم من الصعب  سد حاجيات البيت وسد حاجيات ومتطلبات الاخوان الصغار وهم في طور الدراسة الابتدائية والمتوسطة ...كل هذا في جانب والجانب الاخر مشاعر ام ربت ابنها البكر وشب متعلم وتخرج معلم ..لها الفخر ان تزهو به بين قريناتها من نساء الحي .. أصبحت نساء الجيران تحلف بحياتها  لما أنجبت وربت وعلمت ..كان ولدها كل شيء في حياتها وكان لها سند لهذه الحياة الصعبة تتمنى ان يعيش حياة سعيدة قربها ويهتم بها وبأخوانه وان يتزوج اجمل مافي الدنيا من احد  بنات الديرة . ولكن للاسف تلك السعادة لم تدوم طويلا  وان ثمرة تعبها لم تجنيها .. فأحزنها خبر الردة على ثورة قاسم وكان يوم رمضان وكانت صائمة وهي تجلس تحتضن   المذياع لتسمع أخبار الردة وكيف قُتل الزعيم كانت دموعها تنهمر على خمارها رغم أنها صائمة لم تشرب الماء لكن هذا الدمع هو دمع الروح والقلب الحزين ..كان حزنها ليس على ما اصاب الزعيم بل توقعها بأعتقال ولدها العزيز ..تم اعتقال ضناها بكل برود من قبل قوة الاستبداد وُسجن في سجن الحلة والأم تبكي طوال أيامها تتمنى وتبتهل وتطلب المراد من الرسول وآلبيته ان يحقق حلمها بالافراج القريب  عنه وعن كل شباب العراق الذين غيبهم الحكم الجديد   لتفرح قلوب امهاتهم  فهي ام وتشعر بما تشعر به الأمهات الباقيات  وهي غالبا ما تبكي حيث يكون بكاءها عاليا مع ترديد تناغيم الجنوب السومرية في كل يوم  ( يمه الهوه حرك الباب ..حسبالي يمه دشت احباب ..ثاري الهوه والباب جذاب )  وفي أحد ليالي الجمعة طلبت من احد أولادها وهو الوسط بين إخوانه ان يجلب لها لوح من الخشب  لا يتعدى طوله قياس قدم وان يشتري لها عدد من الشموع دون أن يعرف ماذا تريد والدته ان تعمل . ولكن عرف القصة عند وقت الغروب اخذت أبنها وأخذت لوح الخشب والشموع وجاءت إلى نهر المدينة كان الجو هادىء  والريح يكاد ان يكون دون حركة . حيث لا ترى  اي موج على سطح النهر  وحيث يبدو سطح  النهر كمرآة تعكس كل شيء تعكس السماء الصافية وبعض غيوم الصيف المتفرقة وحمرة الشفق الجميل   ..زرعت الام الشموع على اللوح الخشبي بشيء من طين النهر واشعلت عود ثقاب واشعلت كل الشموع وألقت اللوح في النهر وهي تطلب مراد من خضر الياس  ان يفك أسر ابنها ..دُفع اللوح في النهر واخذ اللوح يبتعد بسبب تيار جريان النهر وبدأ الليل يسدل ستاره ويخيم الظلام على النهر وشاطئه    حيث انعكاس ضوء الشموع على سط النهر الذي يبدوا  كالمرآة بعكس الأشياء  حيث  يعطي صورة سحرية وسط هدوء الليل   والوالدة  ترتل مع نفسها ان يحفظ الله أبنها ويطلق اسره ولم تغادر النهر وهي في هذه الحالة حتى ابتعد اللوح مسافة كبيرة  يكاد ان لا يُرى ..عادت للبيت حزينه ولكن تحمل امل ان تُلبى دعوتها هذا من احد أولياء الله  .  هكذا كانت تداعيات  السياسة سابقا تجد  رجال عاهدوا المبادي والوطن ان يدافعوا عنه بكل شيء اما اليوم فالسياسة تجارة مربحه لا يدخلها الا من هو متأكد من عدم خسارته لأي شيء فيها وهي مضمونة الربح ..فتراهم يتكالبون على دخولها لكي يحسنون من حالهم المادي  لا حال شعبهم يستخدمون كل الشعارات الدينية والطائفية والعشائرية وكل الوعود الكاذبة  لكسب ود العامة التي هي  الاخرى  اصبحت لا تميز بين الصالح والطالح جعلتها  الحاجة ان تبيع صوتها بأرخص الأثمان . السياسي الآن لا يجعل في حساباته السجن او الطرد من الوظيفة مهما عمل حتى ولو سرق لان هنالك من يحميه ويدافع عنه من الساسة الكبار لذلك تجد الفرق بين السياسي المضحي في الماضي والسياسي من يكسب المال و الجاه والسيارات والفلل والأراضي والسفر والسفر للحج دون ضوابط سوى كونه السياسي اما الفقير له الله.

 

 


مشاهدات 46
الكاتب عبد الكاظم محمد حسون
أضيف 2025/12/30 - 12:11 AM
آخر تحديث 2025/12/30 - 1:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 78 الشهر 22193 الكلي 13006098
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير