إغتيال العلم

محمد الربيعي

ان المتفحص لتعليمات الترقيات العلمية رقم  (10) لسنة 2025 الصادرة عن وزارة التعليم العالي، يصاب بذهول لا تبرؤه الحيرة، فنحن امام نص يمثل ذروة الاغتراب الاكاديمي والجهل الفاضح بمفهوم وغايات البحث العلمي. لقد اجتهدت الوزارة في ابتكار منظومة تقدس ‹صنم النشر› وتزدري ‹روح البحث›، محولة المسيرة المعرفية الى مجرد سباق محموم لجمع الاوراق المطبوعة، دون ادنى اعتبار للقيمة المضافة او الاثر المعرفي.

ويبدو ان من صاغ هذه التعليمات اما انه يعيش في معزل تام عما يجري في جامعات العالم قاطبة، او انه استوردها من كوكب لا يمت لواقعنا بصلة، فهي تعليمات لا تكتفي بجهل آليات البحث الرصين، بل تخلق بيئة قسرية تضطر الباحثين لاتباع أساليب وممارسات تتقاطع مع معايير الأمانة العلمية المتعارف عليها عالمياً. ان هذا الاصرار العجيب على الزام التدريسي بالنشر ‹بأي ثمن› قد فتح الابواب على مصراعيها لـ ‹مصانع البحوث› وسماسرة الاقتباس والسرقات العلمية، ليصبح المهم هو ارضاء رغبات الوزارة الورقية، لا اثراء المكتبة العلمية.

والمفارقة التي تدمي القلب، هي ان هذه الوزارة التي تخلت عن مسؤوليتها المالية تماما، وتركت الباحث يمول نتاجه من عرق جبينه وقوته اليومي، هي ذاتها التي تفرض شروطا تعجيزية تضاهي بها دولا تنفق المليارات على مختبراتها. اننا امام مشهد سريالي بامتياز: دولة تغتال فيها الوسائل وتشترى فيها النتائج، ووزارة تصدر اوراقا لا قيمة لها الا في اضابيرها المغلقة. حقا.. انها وزارة المتناقضات الكبرى، التي تحتفي بالكم وتغتال النوع، وتكرس الجهل باسم العلم.