عشرة وجوه غيّرت مسار العلم في 2025

محمد الربيعي

في عالم يتسارع فيه العلم بوتيرة غير مسبوقة، تواصل مجلة Nature تقليدها السنوي عبر اختيار عشرة شخصيات تركت بصمة استثنائية في مسار المعرفة. قائمة  Nature’s 10 لعام 2025 لم تكن مجرد عرض لانجازات علمية، بل كانت شهادة على شجاعة الأفراد في مواجهة الأزمات، وعلى قدرة الابتكار على اعادة رسم حدود الممكن. من أعماق الكون إلى أعماق المحيط، ومن قاعات التفاوض الى مختبرات الجينات، هؤلاء العشرة جسدوا ان العلم ليس رفاهية، بل أداة للبقاء والعدالة والأمل. اقدم لكم خلاصة لما عرضته المجلة من تقييم لهؤلاء الرواد.

1- سوزان موناريز– حامية الصحة العامة حين تولّت منصب مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض  ، قالت في أول تصريح لها: «لن نسمح أن تكون الصحة العامة رهينة السياسة». لكن بعد شهر واحد فقط، تمت إقالتها وسط جدل سياسي. رغم قصر عهدها، تركت موناريز أثرا واضحًا بمحاولاتها لإصلاح الوكالة وتعزيز الشفافية. إدراجها في القائمة يذكّر بأن الشجاعة في مواجهة البيروقراطية والسياسة قد تكون إنجازا بحد ذاته.

2- آشال أغراوال– المتحرّي العلمي من الهند، برز اسم آشال أغراوال بعد أن كشف أزمة سحب الأبحاث المزورة في الجامعات الكبرى. في مقابلة مع   مجلة النيتشر: «كنت أبحث عن الحقيقة، لا عن فضيحة.»  عمله الدؤوب على تتبع الأوراق المسحوبة فضح أزمة أخلاقية في البحث العلمي، وأجبر المؤسسات على مواجهة الفساد الأكاديمي. أغراوال أصبح صوتًا عالميًا لنزاهة العلم، ودفع الحكومة الهندية لفتح تحقيقات واسعة.

3- توني تايسون– الفيزيائي الحالم بعد ثلاثة عقود من المثابرة، بدأ مرصد فيرا روبين في تشيلي بالتقاط أولى صوره للكون. تايسون، صاحب فكرة الكاميرا العملاقة، وصف مشروعه قائلاً: «أردت أن نصنع فيلمًا للكون، لا مجرد صورة».  بفضل رؤيته، أصبح بإمكان العلماء رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للمجرات، وفهم المادة المظلمة والطاقة المظلمة. إدراجه في القائمة هو تتويج لرؤية بدت يوما ما ضربا من الخيال.

4- بريشس ماتسوسو– مفاوضة الجوائح من جنوب إفريقيا، قادت مفاوضات شاقة بين 190 دولة لاعتماد أول معاهدة عالمية لمكافحة الأوبئة. قالت خلال المفاوضات: « لن نسمح أن يحدد الموقع الجغرافي من سيعيش ومن سيموت».  بفضل خبرتها الطويلة، نجحت في ترسيخ مبادئ الإنصاف في توزيع اللقاحات والأدوية. إنجازها التاريخي يعيد تعريف التعاون الصحي الدولي، ويضع إطارًا قانونيًا لمواجهة الجوائح القادمة.

5- سارة تبريزي– بطلة هنتنغتون العالمة البريطانية التي قادت أول تجربة ناجحة للعلاج الجيني لمرض هنتنغتون. في حديثها مع المرضى قالت: «لأول مرة، نستطيع أن نوقف عقارب الساعة». النتائج المذهلة أبطأت تقدم المرض بنسبة 75 بالمئة فاتحة الباب أمام عصر جديد لعلاج الأمراض العصبية التنكسية. تبريزي لم تكتف بالعلاج، بل تسعى إلى الوقاية عبر التدخل المبكر لدى حاملي الجين المسبب للمرض.

6- مينغران دو– الغواصة العميقة بغواصتها «فندوتشه»، وصلت إلى عمق 9000 متر في خندق كوريل-كامتشاتكا، لتكتشف أعمق نظام بيئي حيواني على الأرض. وصفت لحظة الاكتشاف قائلة: « في الظلام الدامس، وجدت حياة تزدهر». اكتشافها يثبت أن الحياة تزدهر في أقسى الظروف، ويمنح العلماء نافذة على احتمالات وجود حياة في كواكب أخرى.

7- لوتشيانو موريرا– مهندس البعوض في البرازيل أطلق مشروعًا لتربية مليارات بعوض الحامل لبكتيريا «وولباكيا». قال موريرا: «نحول العدو إلى حليف».  النتائج كانت مذهلة: انخفاض بنسبة 70 بالمئة في حالات حمى الضنك. موريرا أثبت أن الحلول البيولوجية قد تكون أكثر استدامة من المبيدات، وأن الابتكار يمكن أن ينقذ ملايين الأرواح.

8- ليانغ وينفينغ– المخترق التقني رجل الأعمال الصيني الذي أطلق نموذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek R1، متفوقًا على نماذج أمريكية رائدة بتكلفة منخفضة جدا. في تصريح مثير قال: «لسنا بحاجة إلى مليارات لنبتكر، بل إلى عقل جريء «. خطوته قلبت موازين المنافسة العالمية، وأثبتت أن الابتكار لا يحتاج إلى ميزانيات فلكية.

9- ييفات ميربل– مكتشفة جهاز المناعة حفرت في «نفايات الخلايا» لتكشف آلية جديدة في الجهاز المناعي. وصفت اكتشافها قائلة: «حتى القمامة الخلوية تحمل أسرار البقاء».  اكتشافها يفتح الباب لعلاجات مبتكرة للسرطان وأمراض المناعة، ويعيد تعريف فهمنا لآليات الدفاع الخلوية.

10- الطفل المبتسم– رمز الأمل

صورة طفل بابتسامة رآها العالم كله، لتصبح رمزا انسانيًا في قائمة علمية. إدراجه يذكر بأن العلم ليس فقط معادلات وتجارب، بل أيضا قصص إنسانية تلهم البشرية. الابتسامة التي انتشرت عالميا كانت بمثابة رسالة بأن الأمل هو الوجه الآخر للعلم.

خاتمة

قائمة Nature’s 10 لعام 2025 ليست مجرد أسماء، بل قصص مقاومة وإبداع. من مواجهة البيروقراطية إلى اختراق أعماق الكون، ومن ابتسامة طفل إلى ابتكار نموذج ذكاء اصطناعي، هؤلاء العشرة جسّدوا أن العلم هو شبكة متداخلة من الجرأة، النزاهة، الابتكار، والإنسانية. لهذا السبب نقلتها لكم، وعسى أن نرى في الأعوام القادمة بين هذه الاسماء شخصية عربية تضيء المشهد العلمي العالمي.