الكلاب السائبة والجوانب القانونية
علي التميمي
يُعدّ موضوع الكلاب السائبة، ولا سيّما مسألة إبادة الكلاب السائبة، من الموضوعات المهمة والحساسة التي تمسّ الصحة العامة والأمن المجتمعي في آنٍ واحد. وقد نظّم المشرّع العراقي هذا الملف بموجب قانون الصحة الحيوانية رقم (32) لسنة 2013، الذي يُعدّ الإطار القانوني النافذ في هذا الشأن.
فقد أوجب قانون الصحة الحيوانية رقم (32) لسنة 2013 تشكيل لجنة برئاسة المحافظ، وتضمّ في عضويتها جهات حكومية متعددة، من بينها دوائر الزراعة، الصحة، الداخلية، الأمانة، البلديات، والبيئة، وتتولى هذه اللجنة الإشراف على ملف مكافحة الكلاب السائبة. ويُلاحظ أن هذا القانون قد ألغى القانون السابق، وهو قانون إبادة الكلاب السائبة رقم (48) لسنة 1986، ما يعني أن الإبادة لم تعد هي القاعدة القانونية العامة، وإنما أصبحت جزءاً من تنظيم صحي أوسع.
ومع ذلك، فإن قانون الصحة الحيوانية لم يبيّن بصورة صريحة آلية مكافحة الكلاب السائبة، إذ لم يُحدّد ما إذا كانت المعالجة تتم عبر السيطرة أو الإيواء أو الإبادة، تاركاً ذلك للتعليمات التي تصدر لاحقاً عن الجهات المختصة. غير أن النصوص القانونية تُظهر بوضوح أن القانون أجاز قتل الكلاب في حالتين محددتين:
الأولى، إذا كان الكلب مصاباً بداء الكلب أو مشتبهًا بإصابته.
والثانية، إذا كان الكلب لا صاحب له.
وفي هاتين الحالتين، أجاز القانون قتل الكلاب حمايةً للصحة العامة، على أن يتم ذلك من خلال فرق خاصة تُشكَّل لهذا الغرض، وباستخدام الخراطيش الصيدية لا الرصاص الحي. إلا أن التصريحات الرسمية تشير إلى وجود نقص واضح في توفر هذه الخراطيش، ما ينعكس سلباً على قدرة الجهات المعنية في تنفيذ مهامها.
ومن الجانب القانوني، تبرز المسؤولية القانونية لصاحب الكلب، وهي مسؤولية ذات شقّين: مدني وجزائي.
ففي نطاق المسؤولية المدنية، تُطبّق أحكام القانون المدني المتعلقة بالفعل الضار، مع الأخذ بقاعدة «جناية العجماء جبار»، التي تقضي بعدم قيام المسؤولية إلا إذا ثبت وجود إهمال أو تقصير من صاحب الحيوان، وذلك وفق المواد (221 إلى 227) من القانون المدني.
أما في الجانب الجزائي، فقد عالج قانون العقوبات هذه الأفعال في المواد (485 إلى 487)، التي قررت عقوبات الحبس أو الغرامة أو كلتيهما لمن يقتل أو يُلحق الضرر بدابة مملوكة للغير. وفي حال أدّى إهمال صاحب الكلب إلى وفاة شخص، فإن الوصف القانوني قد يمتد إلى جريمة القتل الخطأ وفق المادة (411) من قانون العقوبات، أو إلى إحداث عاهة مستديمة إذا نتج عن الفعل جرح أو عجز دائم.
وتشير الإحصائيات المتداولة إلى أن عدد الكلاب السائبة في بغداد وحدها يصل إلى نحو 200 ألف كلب سائب، وهو رقم خطير يعكس حجم التحدي، ولا سيّما في الأحياء السكنية الشعبية، وعلى وجه الخصوص في محيط المدارس والأطفال، حيث تشكّل هذه الكلاب تهديداً مباشراً على سلامة الصغار.
ومن الناحية الصحية، تُسجَّل إصابات بداء الكلب، المعروف طبيًا باسم داء السُّعار (Rabies)، وهو مرض فيروسي قاتل يصيب الجهاز العصبي ويؤدي في الغالب إلى الوفاة السريعة. وتشير الإحصائيات إلى تسجيل قرابة 900 إصابة بهذا المرض، ما يجعل من ملف الكلاب السائبة قضية صحية خطيرة لا يمكن إهمالها.
وفي مقابل ذلك، لا يخلو الموضوع من جوانب إنسانية تستوجب المعالجة المتوازنة، إذ تبرز الحاجة إلى إشراك منظمات المجتمع المدني والجمعيات المعنية بالرفق بالحيوان في إيجاد حلول تنظيمية، مثل الإيواء أو إنشاء محميات خاصة، مستفيدين من تجارب دولية سابقة، حيث أُنشئت جمعيات ومحميات للحد من المخاطر دون اللجوء إلى الإبادة الواسعة. كما أن المساحات الشاسعة بين المحافظات قد تتيح إمكانية إنشاء مثل هذه المحميات، إلى جانب تفعيل برامج التلقيح للحد من انتشار الأمراض.
كما يبرز موضوع تربية الحيوانات المفترسة داخل المدن، وهو ما نظّمه قانون حماية الحيوانات البرية رقم (17) لسنة 2010، إذ نصّت المادة (9) منه على معاقبة من يقتني أو يربي الحيوانات المفترسة بالحبس مدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين دينار، مع مصادرة الحيوان. كما يُعدّ السير بهذه الحيوانات في الشوارع جريمة مشهودة وفق القانون، ويُحظر استيرادها إلا بموافقات رسمية خاصة.
وخلاصة القول، فإن معالجة ملف الكلاب السائبة تقتضي الالتزام الحرفي بأحكام قانون الصحة الحيوانية رقم (32) لسنة 2013، مع تفعيل دور اللجان المختصة، وتعزيز الإمكانات التنفيذية، وبما يحقق التوازن بين متطلبات الصحة العامة والأمن المجتمعي والاعتبارات الإنسانية.