نحو تنظيم معرض دولي للكتاب في كركوك
عصمت عبد المجيد بكر
أولًا: تتجلى أهمية معرض الكتاب الدولي في أنه يمثل ظاهرة حضارية وملتقى ثقافي يربط بين المؤلفين والمبدعين في شتى مناحي المعرفة الإنسانية والقراء والمهتمين، ويساهم المعرض في تدعيم صناعة النشر وتعزيز التفاعل الثقافي بين الدول، والتبادل الثقافي والاقتصادي، ونشر المعرفة وإتاحة الفرصة للقراء في الوصول إلى ينابيع الثقافة بمختلف فروعها وأنواعها، ويكون مكانًا للقاء وتبادل الأفكار والخبرات بين دور النشر والمثقفين، وإفساح المجال واسعًا لهذه الدور في عرض إصداراتهم إضافة إلى تبادل الخبرات والمعرفة فيما بينهم، ويتيح المعرض فرصة للتعريف بالمؤلفين والكتاب والمبدعين، فمعرض الكتاب موسوعة كبيرة توجد فيها خلاصة فكر صفوة ونخبة المجتمع في مختلف ميادين المعرفة، بالإضافة إلى تنظيم حفلات لتوقيع الكتب أو إقامة الندوات والحلقات النقاشية، كما يتم تنظيم الفعاليات الثقافية وإقامة الأمسيات الشعرية، ويساهم المعرض في تشجيع الجيل الجديد على الاهتمام بالمعرفة والقراءة، وتنظيم سفريات علمية لطلبة المدارس بمختلف مراحلها إلى المعرض.
ويُعدّ معرض الكتاب في (فرانكفورت/ألمانيا) عام 1462م أول معرض كتاب مُنظَّم عرفه العالم، وعربيًا يُعدّ معرض بيروت للكتاب عام 1956م بتنظيم النادي الثقافي العربي، أول معرض عربي للكتاب، ويُمثِّل معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تأسس عام 1969م انطلاقة كبرى في مسيرة المعارض العربية للكتاب. وقد بات تنظيم معرض الكتاب تقليدًا سنويًا، سواء أقيم في بغداد أو في بعض المحافظات، وهذا ما يُثلج الصدر، ويُبشِّر خيرًا بالاهتمام بالقراءة والمساهمة في تبادل الأفكار والاطلاع على ثقافات الشعوب وآدابها، وكم يكون جميلًا أن يتم تنظيم معارض الكتاب سنويًا في المحافظات جميعها، إضافةً إلى المعرض الأم في بغداد.
ثانيًا: من المعروف أن مدينة كركوك مدينة عريقة في التاريخ، وأن التنقيبات الأثرية أثبتت وجود آثار لحضارات قديمة في المدينة أو في ضواحيها، كما أنها عُرفت باهتمام أبنائها بالأدب والثقافة، وانتشار الأنشطة العلمية والثقافية، وأن العديد من أبناء هذه المدينة تخرجوا في أرقى الجامعات بعد حصولهم على أعلى الدرجات العلمية، وأن الموسوعات التي نُشرت في السنوات الأخيرة للنتاج الفكري والعلمي لأبناء هذه المدينة، تُثبت مدى اهتمامهم بنشر الثقافة والأدب، إلا أنه يُلاحَظ أنه لم يتم حتى الآن تنظيم معرض دولي للكتاب في المدينة، نعم صحيح أن جهودًا بُذلت في تنظيم معرض كركوك الدولي للكتاب والتكنولوجيا الحديثة، تحت عنوان (كركوك تقرأ) للفترة من 25/9/2025- 4/10/2025.
ولكن بات من الضروري التفكير بأن يكون معرض الكتاب الدولي في كركوك من المعارض الدولية للكتاب، بعد أن توفرت المتطلبات والمستلزمات اللازمة لذلك، وبعد أن تم تشغيل مطار كركوك ووجود الجامعة والعديد من الكليات الرسمية والأهلية، ونرى اتخاذ الخطوات التالية لتحقيق الهدف:
أن تبادر جامعة كركوك إلى تشكيل لجنة عليا لتنظيم معرض الكتاب الدولي في كركوك وتضم اللجنة:
أ- أستاذ من جامعة كركوك/ رئيساً للجنة.
ب- ممثل عن محافظة كركوك.
ج- ممثل عن الكليات/ خارج جامعة كركوك.
د- ممثل عن المديرية العامة للتربية في كركوك.
هـ- ممثل عن كل من الشرطة والمرور والأمن.
و- ممثل عن اتحاد الأدباء في كركوك.
ز- ممثل عن وزارة الثقافة والسياحة والآثار في كركوك.
ح- ممثل عن مطار كركوك.
وتتولى اللجنة مناقشة الأفكار المطروحة حول معرض الكتاب، والاستئناس بتجارب المعارض الدولية المنظمة للكتاب في بغداد والمحافظات، واقتراح مكان وتاريخ ووقت المعرض، واستحصال الموافقات الأصولية لذلك، ومناقشة الشروط التي يشترطها اتحاد الناشرين العرب، للاعتراف بالمعرض.
ولا شك أن تنظيم معرض للكتاب في كركوك بشكل منتظم وسنويًا، سيؤدي إلى تنشيط الحركة الثقافية والأدبية في المدينة والمدن القريبة منها، وتشجيع النشر، بعد حضور دور النشر والمؤلفين.
ومن الضروري الاهتمام بموعد المعرض ودراسة الأمر بشكل جيد، بعد ملاحظة التواريخ، والمناسبات المدونة في التقويم.
كما ينبغي الاهتمام بمحال إقامة أصحاب دور النشر المشاركة في المعرض، ووجود فنادق مؤهلة لذلك، مع ملاحظة أن يكون مكان تنظيم المعرض مهيئًا من كل النواحي.
لقد بات من الضروري التفكير جديًا بتنظيم معرض الكتاب الدولي في كركوك، بشكل دوري ومنتظم، ويمكن للجنة المشكلة أعلاه، إضافة أية أفكار أو مقترحات، وتطوير ما تقدم، بهدف الوصول إلى الحالة المثالية.
ثالثًا: من الضروري أن تطلع اللجنة على الشروط والمواصفات المطلوبة للاعتراف بالمعرض كونه معرضًا دوليًا، كما يمكن الاستفادة من خبرات وتجارب الجهات المنظمة للمعارض التي أقيمت سابقًا في العراق، كما يكون من الضروري التفكير جديًا بتوفير المستلزمات المادية والمعنوية قبل تنظيم المعرض.
رابعًا: يُفضل أن يتضمن برنامج المعرض فعاليات ثقافية وأدبية وإلقاء محاضرات وعقد حوارات يحضرها نخبة أو صفوة من رجال العلم والثقافة، من أهل المدينة أولًا، ثم من المعروفين والمؤثرين من خارج المدينة.
ومع الاهتمام ببرامج للأطفال والشباب أيام تنظيم المعرض، وإقامة فعاليات وأنشطة موجهة إليهم لتشجيع القراءة لدى فئات عمرية مختلفة، ولا شك أن معارض الكتاب تساهم، بشكل أو آخر، في إعادة الاهتمام بالكتاب المطبوع وإحياء عادة القراءة، صحيح أن الثقافة الرقمية تلعب دورًا في نشر الثقافة.
وأن دخول التقنيات العلمية في ميدان النشر وإتاحة مضامين ومحتويات الكتب، بعيدًا عن الورق، ومع ذلك فلا يزال الورق والثقافة الورقية تهيمن على اهتمام القراء والأدباء والمثقفين، وقد يستمر هذا الاهتمام لسنوات في المستقبل القريب والبعيد.
وقد يساهم معرض الكتاب في الاهتمام بالثقافة الرقمية إضافةً إلى الثقافة الورقية، وذلك بإتاحة النتاجات الفكرية وفق التقنيات العلمية المتاحة، فالكتاب الإلكتروني هو نشر رقمي لنص وصور يمكن قراءتها على الأجهزة الإلكترونية وهو إما نسخة رقمية من كتاب مطبوع أو مؤلف إلكترونيًا، ويتميز عن الورقي بميزات تفاعلية مثل البحث، الخطوط القابلة للتعديل، والقواميس المدمجة، ويتم توزيعه عبر الإنترنت، والوسائط الرقمية، ويتم الوصول إلى الكتاب الإلكتروني عبر برامج مخصصة أو أجهزة قراءة إلكترونية، ومن أهم مميزاته، سهولة الوصول والتوزيع، والانتقال السريع بين الصفحات، وإمكانية تغيير حجم الخط وتكبير النص.
ومع كل ما تقدم، يبقى الكتاب الورقي، إلى سنوات وسنوات، له أهميته ورواجه ورواده، ثم إن متعة قراءة الكتاب الورقي لا تضاهيها متعة، وخاصةً بالنسبة للأجيال التي اعتادت على تصفح الأوراق وكتابة الملاحظات والتعليقات على الجمل والعبارات.