الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تحليل.. العامل الجيوسياسي والسيولة الأمنية في الشرق الأوسط

بواسطة azzaman

تحليل.. العامل الجيوسياسي والسيولة الأمنية في الشرق الأوسط

عماد علوّ الربيعي

 

المقدمة

لم يعد خافيا» اليوم أن اختلالا» كبيرا» في توازن القوى العسكري، في منطقة الشرق الأوسط تسببت به العملية العسكرية التكتيكية المحدودة، الذي قامت فيه حركة حماس في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، على المواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة، وأدت الى نتائج جيوستراتيجية، وجيوسياسية.! تمثلت بمستوى هائل من الانتقام الإسرائيلي، تزامن معه ويرافقه دعم عسكري ولوجستي غربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية. كما وضعت القوى الإقليمية أمام خيارات استراتيجية لتغير بنيوي وإعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، بانحسار قوى فاعلة وبروز اخرى باحثة عن ادوار إقليمية قد تدفع المنطقة لمزيد من التنافس حول تقسيم مناطق النفوذ الجيوسياسي.

وفي هكذا ظروف، وفق منطق توازن القوى يعتبر تشكيل التحالفات الأمنية الخيار الاستراتيجي الأنسب لكبح طموح قوى التغيير أو الهيمنة، الإقليمية والدولية، غير ان مرونة النظام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، وتباين عناصره في قدراتها العسكرية ستجعل من الذهاب الى مسار تحالفات رصينة أمرا» بالغ الصعوبة وهذا الأمر سيؤدي حتما» الى استمرار حالة السيولة الأمنية في منطقة الشرق الاوسط، مما يجعل من الصعوبة التنبؤ بمستقبل توازن القوى في المنطقة، لاسيما مع استمرار حالة عدم حسم النزاعات المسلحة والتدخل العسكري للقوى الإقليمية والدولية خصوصا» في منطقة شرق المتوسط، فانه لا يمكن الرهان على احتمالات الاستقرار التي تبدو أقل من احتمالات تفجر مزيد من الصراعات على الأقل في المدى القريب زمنيًّا .

مؤشرات جيوسياسية

ان ديناميكية ظهور المؤشرات الجيوسياسية بدأت في التمظهر منذ حرب الخليج الثانية 1990-1991، مرورا» باحتلال العراق عام 2003، وصولا» الى عملية طوفان الأقصى في أكتوبر / تشرين الأول 2023، لتأخذ منحى متسارع باتجاه تصعيد الصراع المسلح مع الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة والدول الاوربية، مما أدى الى انفراط عقد محور المقاومة، وما سمي بـ(استراتيجية وحدة الساحات)، وأن طوفان الاقصى لم يحقق لحماس أي مكاسب سياسية أو استراتيجية واضحة، بل أدى الى رد فعل عسكري إسرائيلي هائل، نجم عنه سقوط آلاف الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح وتدمير هائل وغير مسبوق في البنية التحتية لقطاع غزة. مما يدل على أن قيادة حماس ومحور المقاومة لم تكن في تقديرها للموقف تتوقع أو تقدر مستوى الثمن والكلفة التي سيدفعها سكان قطاع غزة، وأن تحسب قدرتها على الصمود والبقاء، وأيضا» لم تقدر أو تحسب مستوى الدعم الذي ستحصل عليه من قوى خارجية مثل حزب الله وإيران والحوثيين، في اطار ما سمي بـ(مبدأ وحدة الساحات).

لقد بات من الواضح أن قيادة حماس لم تكن موفقة في تحديد هدفها الاستراتيجي من شن هجومها المباغت في 7 أكتوبر 2023، وهو ما أدى الى تداعيات خطيرة على الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها العراق، بعد أن اجتاحت فصائل المعارضة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام مواقع قوات نظام حكومة بشار الأسد التي أدى انهيارها السريع إلى إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وصعود الدورين التركي والاسرائيلي في إعادة ترتيب الخارطة الجيوسياسية لمنطقة شرق المتوسط، بدعم أمريكي وغربي واضح، مقابل اضعاف دور روسيا وايران في المنطقة.

سيناريوهات محتملة

على مدى العقدين الماضيين، تشكلت البيئة الأمنية الإقليمية الأوسع في منطقة الشرق الأوسط على نطاق واسع من خلال دورة انعدام الأمن وعدم الاستقرار. حيث دفعت التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط العنان لصراعات متعددة الأوجه، تورط فيها العديد من الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والعالمية ومن ضمنها قوى وتنظيمات مسلحة ما دون الدولة. وقد أدت تلك الصراعات الى المخاطر والتحديات الأمنية الناجمة عن موجة عدم الاستقرار والصراعات إلى تغيير العلاقات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط إلى حد كبير. وعليه فإننا يمكننا القول ما يلي:

1.أن خيارات جيدة من شأنها أن تحقق وقفا» لإطلاق النار وانهاء محرقة الموت اليومي التي تفرضها السياسة الإسرائيلية على الفاعل العربي في غزة ولبنان وسوريا واليمن، ستبقي حالة من السيولة في المشهد الجيوسياسي للمنطقة خصوصا» مع زيادة التدخل الأمريكي والاوربي في المنطقة مقابل ضعف وتراجع روسيا وايران.

2.ان العامل الجيوسياسي لدول منطقة الشرق الأوسط، سيفرض عليها معادلات إعادة النظر أو تعديل سياساتها الخارجية، وبناء علاقات عمل في اتجاهات جديدة تحسبا» للتغيرات التي قد تطرأ على الخريطة السياسية للمنطقة نتيجة لمخرجات الصراع المسلح الذي اعقب عملية طوفان الأقصى.

3.التحركات الدبلوماسية الاوربية والتعاطي الإيجابي مع السلطة الجديدة في دمشق قد تدفع الى إعادة تفعيل العمل بالاتفاقيات الابراهيمية لتشكيل شرق أوسط جديد. ولكنها بالمقابل قد تدفع بالصراع الى مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، وتشجع ايران على تسريع جهودها لامتلاك السلاح النووي بالتعاون مع روسيا وكوريا الشمالية اللذان يرغبان بشدة في الذهاب بهذا المسار لمواجهة متطلبات الحرب في أوكرانيا التي يدعمها حلف الناتو.

4.لم يعد خافيا» إن علاقات إيران مع الصين وروسيا تفتقر إلى الديناميكية، اذ إن إيران تعاني من العقوبات والاضطرابات الداخلية، فباتت تلجأ إلى الحلول الكلاسيكية المتاحة فتوزع اعتمادها على المزيد من الدول الأخرى من أجل الحد من نقاط ضعفها وتوسيع حيز عملها في عالم مضطرب.

الخاتمة

أدت التحولات الجيوسياسية في النظام الدولي إلى تسريع وتيرة واتجاه إعادة الهيكلة لمنطقة الشرق الاوسط بشكل كبير، والذي يتمظهر اليوم من خلال العمليات المتداخلة لإعادة تشكيل الدول والمنطقة وديناميكيات الأمن الإقليمي، بعد أن أدت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والصراعات المختلفة والتدخلات من خارج المنطقة إلى تقويض أسس النظام الإقليمي، مع عواقب كبيرة على الهويات والحدود وتوازن القوى والتحالفات، و حروب أهلية مطولة، وظهور جهات مسلحة غير حكومية، كل ذلك أدى  إلى تقويض المظهر المعياري لمفهوم الدولة في منطقة الشرق الأوسط.

 

 لواء ركن متقاعد

 باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية


مشاهدات 119
الكاتب عماد علوّ الربيعي
أضيف 2025/01/09 - 1:54 AM
آخر تحديث 2025/01/09 - 6:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 363 الشهر 4237 الكلي 10094202
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير