هكذا يفر الطغيان
ثامر مراد
إن الطغيان كظلٍّ ثقيلٍ يتربّصُ في زوايا الليل، لكنه ما إن يواجه وهج الحقيقة حتى يتبدّد كالدخان. إنه يفرّ مذعورًا حين ترتفع أصوات الحقّ، فتصدح بالأمل وتصيغ الحلم. حين تنتفض الشعوب كأمواج البحر العاتية، تسقط العروش الواهنة، وتهدم صروح الظلم المتهالكة.
الطغيان لا مأوى له حين تنادي الحرية، فهو هشٌّ كالغبار تذروه رياح النضال. كم من طاغيةٍ ظنّ أن جبروته خالد، وأن عرشه أبدي، فإذا بالرياح تقلبه، وإذا بالزمن يطويه في صفحات النسيان. وكم من ظالمٍ حاول خنق الأمل في قلوب الشعوب، لكنه اكتشف أن الأمل كالجمرة، يظلُّ متقدًا تحت الرماد، جاهزًا للانفجار في لحظةٍ واحدة.
عندما يأتي الفجر بعد ليلٍ طويل، تُضاء القلوب التي صبرت على القيد. تنهض الأيادي لتحطم السلاسل، وتعلو الحناجر بهتافٍ واحد: “كفى للذلّ!” عندها، ينهار الطغيان كتمثالٍ هشٍّ في وجه العاصفة. أركانه تذوب كما يذوب الثلج تحت شمس الحرية.
فالحقّ شعلةٌ لا تنطفئ، ونورٌ لا يُدركه الظلام. هو أقوى من كل قيود الجهل، وأبقى من كل ظلمات الخوف. الطغيان يهرب دائمًا عندما يواجه شعوبًا ترفض الركوع، وقلوبًا تعشق الحرية حدّ التضحية.إلى الشعوب، هذا النداء: لا تخافوا الطغاة، فإنهم أضعف مما يظنون. إن صوت الصدق يزلزل عروشهم، وإن رايات العدل التي تُرفع عاليًا تبث الرعب في قلوبهم.
وهكذا، في كل زمانٍ ومكان، يفرّ الطغيان. يترك وراءه ظلالًا باهتة، وبقايا واهية. لكن الشعوب، بقدرتها على البقاء، تصنع من الرماد نورًا جديدًا، وتبني من أطلال الظلم عوالمَ أكثر جمالًا وعدلًا.