الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين أصبحت الوحدة صديقة

بواسطة azzaman

حين أصبحت الوحدة صديقة

هناء يوسف عطية

 

في إحدى الليالي الباردة، حيث غطى السكون أرجاء المدينة، جلست “صوفيا” في ركن صغير من شقتها. كان الصمت حولها يثقل على صدرها كما لو أنه جبلٌ من الحزن. تلك الوحدة التي لم تكن اختيارًا، بل قدرًا، نسجت خيوطها حولها كشبكة عنكبوت لا فكاك منها.كانت صوفيا تراقب انعكاس وجهها على نافذة مغطاة بطبقة خفيفة من البخار. وجه بدا مألوفًا ولكنه غريب، وكأنها لم تعد تعرف نفسها. منذ سنوات، كانت حياتها مليئة بالوجوه، بالضحكات، بالحكايات التي لا تنتهي. لكنها الآن تجلس وحدها، تصارع أفكارًا تقتحم عقلها بلا استئذان.تذكرت أيام الجامعة، تلك الأيام التي كانت تفيض بالحياة. أصدقاء تجمعهم قهوة الصباح وأحلام المستقبل. أين ذهبوا؟ تساءلت بصوت خافت، وكأنها تخشى أن يسمعها الصدى فيجيبها بسخرية. كل واحد منهم شُغل بحياته، تركوها دون أن ينظروا خلفهم.في زاوية الشقة، وقف هاتفها المحمول ساكنًا، كأنما انعكاسٌ لحياتها. لا رسائل جديدة، لا مكالمات فائتة، فقط شاشة سوداء تذكرها بالعزلة التي أصبحت جزءًا منها. حاولت صوفيا أن تقنع نفسها بأن الوحدة ليست دائمًا أمرًا سيئًا. أحيانًا تكون فرصة للتأمل، للتعرف على الذات. لكنها سرعان ما أدركت أن هذه الكلمات مجرد عزاء بارد.

كانت تحاول كسر هذا الروتين الثقيل. قررت أن تخرج ذات مساء، أن تخطو خطوة نحو الحياة. ارتدت معطفها، خرجت إلى الشارع المظلم. هناك، وسط الأضواء الخافتة والمارة المنشغلين بعوالمهم، شعرت أنها أكثر وحدةً من أي وقت مضى. الوحدة في وسط الجموع هي الأقسى، حيث يذكرك الناس بحقيقة ما تفتقده.

وفي طريق العودة، توقفت عند بائع ورد صغير. اختارت وردة بيضاء، وردة تحمل في لونها النقاء الذي تفتقده في أيامها. سألت البائع إن كان يشعر بالوحدة، فأجاب بابتسامة متعبة: “الجميع يشعر بالوحدة، يا ابنتي، لكن البعض يخفيها جيدًا.”

عادت صوفيا إلى شقتها، وضعت الوردة في كأس ماء، وجلست أمامها تتأملها. شعرت بشيء جديد ينمو داخلها.

 ربما الوحدة ليست دائمًا وحشًا مفترسًا. ربما هي معلم صامت يذكرنا بأننا نحن من نصنع معنى الحياة، حتى في غياب الآخرين.

ورغم كل شيء، أدركت صوفيا  أن الوحدة ليست النهاية. هي فصل في كتاب، يمكنها أن تكتبه بيدها إذا امتلكت الشجاعة. ومن تلك الليلة، بدأت رحلة البحث عن ذاتها، ليس للهروب من الوحدة، بل لتكون صديقة لها، حتى تجد من يشاركها وردتها البيضاء يومًا ما.

 

 

 

 


مشاهدات 18
الكاتب هناء يوسف عطية
أضيف 2025/01/06 - 12:56 AM
آخر تحديث 2025/01/07 - 7:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 17 الشهر 3394 الكلي 10093359
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير