الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشوّاكة .. أيقونة الكرخ

بواسطة azzaman

الشوّاكة .. أيقونة الكرخ

جواد الرميثي

 

الشواكة ، المحلة البغدادية التي سكنت شاطئ دجلة من جانب الكرخ، وسكنها هواؤه العليل، هذه المحلة التي اختارها البريطانيون ليكون جانب من أرضها سفارة لهم، كانت رئة التسوق للبغداديين لاسيما منتجات الألبان حيث القيمر الحلي وجبن كركوك ولبن أربيل وأنواع الخضار التي تأتيها من محيط كرخ بغداد لتحط في دكاكينها، وهي المحلة الوحيدة التي كانت محالها تواصل الليل والنهار، فلا تعرف الإغلاق ابداً، فمع غبش الصباح تأتي إليها عشرات الحافلات محملة بأنواع الأسماك الآتية من أهوار العراق ومدن العمارة والبصرة، لتفرغ حمولتها في (سوك السمك) في أحد أزقة علاوي الشواكة المعروفة بـ(باب السيف) وتستمر الحياة في تلك العلاوي، منذ ذلك الغبش، حين تتهادى النسوة والصبايا من الريف وهن حاملات (علب الرائب) إلى حيث يفترشن الأرض بانتظار الزبائن.. ثم يبدأ سوق الخضار بتزويد العوائل بما تحتاجه، وفي أوقات العصر وحتى المساء، ترى أصناف الفاكهة التي لن تجدها في الكرخ، إلاّ في سوق الشواكة، مثلما لن يجد أهالي رصافة بغداد تلك الأصناف إلاّ في سوق الصدرية.. وفي الليل تستقبل علاوي الشواكة، أفواجا من سهارى أنس كرخ بغداد حيث مراتع اللهو والجراديغ، ليتسوقوا لعوائلهم ما لذ وطاب من الفاكهة واللحوم الطرية التي اشتهرت فيها هذه المحلة البغدادية، العريقة، عراقة بغداد.

مشروبات غازية

علاوي الشواكة، التي شهدت أول معمل للمشروبات الغازية وهو مشروب (كوكتيل) الشهير في أربعينيات القرن المنصرم، الذي ذاع صيته ليصل سوريا ولبنان ما شجع بعض التجار العرب على تصديره إلى تلك البلدان، ومن ابرز ملامح الشواكة (مهدي الكببجي) الذي كان لا يحلو للسفير البريطاني وضيفه الدائم «نوري السعيد» إلاّ التلذذ بالكباب العراقي الذي كان قمته كباب الحاج مهدي.

هذه المحلة، الوديعة الوادعة، التي عاش في درابينها الفنان الكبير يوسف العاني وحمودي الحارثي

تعتبر الشواكة اعرق وأقدم محلات بغداد، فهي تضرب جذورها في أعماق التاريخ البغدادي وصولا إلى العصر العباسي، وبحكم عراقتها وأصالتها وموقعها الذي كان وما يزال مركز الكرخ الذي كان يمثل عصب الحياة السياسية والإدارية في بغداد، ضمت بين جنباتها مراكز سياسية وإدارية مهمة مثل «مدرسة الملك فيصل» إضافة إلى مساكن ودور إقامة عدد من وزراء الحكومات العراقية والمسؤولين مثل بيت نوري السعيد، ومنازل بعض أشهر العائلات البغدادية ومنهم على سبيل المثال بيت السويدي الذي ما زال ماثلاً حتى الآن، وتم تحويله إلى متحف للمخطوطات العراقية، ولأهميتها وموقعها المتميز اختيرت الشواكة لتضم مقر السفارة البريطانية الذي ما زال ماثلا وشاخصاً ليومنا هذا، وسميت بالشواكة لكونها كانت مكاناً لبيع الشوك وعروق الحطب التي ترد من أطراف بغداد عبر النهر باستخدام الدواب أو على ظهور الجمال التي كانت تنقل الملح أيضا الى مركز بيعه الرئيس في بغداد أي سوق الشواكة، وحاجة المحلة إلى الشوك وعروق الحطب كانت من أجل تشغيل المخبزين الوحيدين الموجودين في المحلة، إضافة الى ذلك ظلت الشواكة مركزاً تجارياً لعموم بغداد، ترد إليها الاجبان والسمك والرز والماش والدهن والحنطة والشعير و»الحصران» من سامراء والبصرة.

 

 


مشاهدات 138
الكاتب جواد الرميثي
أضيف 2024/09/04 - 6:41 PM
آخر تحديث 2024/09/17 - 9:02 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 379 الشهر 6940 الكلي 9995562
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/9/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير