مشاهدات من لبنان
بيت الدين تحفة وصرح معماري في قلب جبال الشوف
رعد أبو كلل
ومن جبال لبنان الشاهقة جبل الباروك والذي يضم غابة الأرز الكبرى والتي تطل على بلدات عديدة وفي قلب جبال قضاء الشوف الذي يتبع إدارياً محافظة جبل لبنان ومن تلال بلدة بيت الدين في اعالي بلدة دير القمر يطل قصر بيت الدين
على رأس تلة مرتفعة نحو950م عن سطح البحر بين كتفي دير القمر وبين الغابات الكثيفة والأحراش وأشجار الصنوبر والأرز والذي بناهُ الأمير بشير الشهابي وهو شخصية تأريخية مشهورة وهو أحد أمراء جبل لبنان من ال شهاب حكم لبنان خلال القرن التاسع عشر والذي أضاف
اليه العديد من التحسينات والجماليات والزخارف التي أضفت إلى جماله وروعته .
وبعد وفاة الأمير تحولت ملكية القصر إلى ملكية أبرشية صيدا وظلت حالة القصر تتدهور حينها اقدمت وزارة السياحة اللبنانية على شرائه في ستينيات القرن الماضي وقامت بترميمه وافتتحته عام 1969م ولاحقاً
تحول إلى نادٍ خاص للقوات العسكرية اللبنانية وفي عام 1974م خضع القصر لعملية ترميم ثانية فيما تحول في زمن الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية إلى فندق وتضرر القصر ضرراً شديداً خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م ثم استثمرته ورممته الدولة اللبنانية وتحول إلى فندق فخم في عام 1986م .
معلم تأريخي
والقصر معلم تأريخي وتراثي هام وله تأريخ طويل ومثير في لبنان ويُعد القصر شاهداً على العمارة العثمانية الإسلامية الكلاسيكية وتأريخ لبنان الثقافي واستخدم القصر كمنزل لعدد من الحكام والأمراء المشهورين على مر العصور من بينهم الأمير بشير الشهابي وبعد نفي الأمير بشير الثاني إلى إسطنبول
عام 1840م اُلغي نظام الإمارة وتحول القصر إلى مقر للولاة العثمانيين ومن ثم للمتصرفين الذين تعاقبوا على جبل لبنان بين عامي 1860م - 1915م ومع الأنتداب الفرنسي شغلته السلطات الفرنسية غداة الحرب العالمية الأولى ثم اصبح مقراً صيفياً لرؤساء الجمهورية في لبنان .
لوحات جدارية
ويتميز القصر بديكور داخلي رائع وأثاث فاخر وتحتوي غرفه على لوحات جدارية وزجاج ملون وأثاث أثاري يُمكن الزوار استكشاف تأريخه وجماله الفني والمعماري وفي عام 1996م تم تصنيف القصر كجزء من التراث الثقافي للبنان وواحداً من أهم المزارات والمواقع الآثارية في لبنان ويُشكل القصر وجهة سياحية
شهيرة
للزائرين داخل وخارج لبنان ولمعرفة المزيد عن هذا المعلم الآثاري الحضاري والتأريخي أجريتُ جولة استقصائية ميدانية لزيارته واتجهت من بيروت نحو مدينة صيدا الجنوبية ومن خلال طريق اوسترداد المرور السريع وقبل الوصول إلى صيدا انعطفنا من طريق المرور السريع بأتجاه الجهة الغربية من الطريق ومن هناك بدأت رحلتي الجبلية نحو القصر فالطريق ذات ممر واحد وضيق تحيطه المرتفعات والقمم الجبلية المكسوة بالأحراش والخضرة فيما تنتشر على طول الطريق غابات الأرز والصنوبر والبلوط وتلوح امامي مراكز واماكن الأصطياف العالمية الرائعة الجمال بهندستيها وبنائها الراقي في هذه البقاع
الجبلية والتي يقوم المزارعون والفلاحون فيها بزراعة سفوحها في المدرجات المروية بالفواكه كالتفاح والكروم والزيتون والحمضيات كما تكسو حافتي الطريق المؤدي إلى القصر الخضرة من كل جانب مشكلة لوحات خضراء زاهية في غاية الروعة والجمال بينما ترى المرتفعات والقمم الجبلية الشاهقة ووديانها
العميقة المملوءة بالمياه ومغطاة بالأشجار والأحراش كأنها لبست ثوباً اخضراً زاهياً بألوان الطبيعة ومشكلة لوحات فنية مطرزة حتى اصبحت مناظرها جميلة وحلوة في حين ترى امام عينيك الشلالات والأنهر والينابيع والبلدات والمدن في مساحات واسعة وعلى طول الطريق وبعد حوالي مسيرة ساعة وصلنا إلى غايتنا قصر بيت الدين. دخلت القصر من بوابته الخشبية المنقوشة بالمسامير النحاسية وتعلوها مخطوطة كتب عليها :
دار مشعة كما اميرها وقصر شاهد على دماء الشهداء وفاتح ذراعيه لسعادة زائريه ذوي الإبتسامة المشرقة حقاً هذا قصر عظيم من إبداع . سنة 1255هجرية .
ابواب شاهقة
وبعد دخولك للبوابة يقابلك حوض ماء مستطيل مرتفع عن الأرض بقليل وغالبية أبواب القصر شاهقة ومصنوعة من الخشب وتمتد باحته الخارجية المظللة بالقناطر على مستويات مختلفة وتحيط بها الغرف في مختلف الأتجاهات .
ويتألف القصر من :
1- الحرملك وهو القسم
الداخلي من القصر وتغطي الأحجار الملونة ارضيته وجدرانه منها الرمادي والبني المتشكل من اللون الأبيض ويتوسط باحة الحرملك الواسعة حوض ماء عريض له نافورة ماء وهو مصنوع من الرخام والفسيفساء وبداخله ديوان الأميرة جيهان زوجة الأمير بشير الثانية .
2- السلملك وهو القسم
الخارجي للقصر ويضم صالة استقبال واسعة تقع على يسار المدخل الرئيسي للقصر ويطغى الخشب على مختلف آثاثه مما يعكس روعة الهندسة الإسلامية فضلاً على ذلك تنتشر المخطوطات الخشبية في أرجاء السلملك .
اما بناء القصر الفندقي والذي شارك في بنائه أمهر البنائيين اللبنانيين وأنضم إليهم عدد من المهندسين الأوربيين والعمال المهرة من دمشق وذلك لصنع الفسيفساء وصقل الرخام المستورد من فلورنسا في إيطاليا .
واستغرق بناء القصر وقاعاته الواسعة واجنحته وغرفه وابراجه وزخرفته من 1788م - 1818م مع إبقاء ما تميز به القصر من الطابع الآثاري التأريخي .
ويتألف البناء من ثلاث
طبقات :
1- الطبقة الأرضية تضم تسع غرف واسعة وردهة إستقبال وحدائق داخلية .
2- الطبقة الأولى وتحتوي على سبع غرف كبيرة لكل منها شرفة وثماني غرف بلا شرفات .
3- الطبقة الثانية وتشتمل على تسع غرف .
متحف
ويحتوي القصر متحفاً مهماً يضم على امتعة وألبسة وأسلحة قديمة وحديثة وعدداً من القطع الآثارية فضلاً على مجموعة من الحلي الذهبية ومجموعة من الفخاريات التي تعود إلى العهد البرونزي واخرى من الفسيفساء البيزنطينية.