نصوص محتشمة لكنها عارية
نور كريم الطائي
«صارعت جوفُ والدتي حيثُ انها تألمت وكان جزائي حياةٌ بائسة» لا أدرى ما هو الحق الذي أُعطي لي لأكتب عن هذه النصوص سوى انها قد اقتربت كثيراً لمجرى الروح والحقيقة فكان لابد من كلمةٍ تُقال...نصوص (محتشمة لكنها عارية) للكاتب والشاعر الشعبي محمد علاء صدر من دار نشر وطباعة ماركيز عام 2020
لغلاف الكتاب حكاية وحدها فتلك الفتاة التي احنت رقبتها لا تشبه كثيراً قيمة الحياة لدى الجميع... يوحي للقارئ ان تلك النصوص تخص انثى قد تماهت كثيراً في ملذات الحياة... لكن حواراً يُعّرف العري على انه حياةٍ خادعة كم أوقعت في شباكها من القلوب واسرت الارواح حتى اضاعت الطريق..
تجارب حقيقية
الحقيقة المرة التي يجب ان تتقبلها كل نفس رافضة لواقعها الفج المرير... ثمة اختلاف كبير بين دقيقة و أخرى وبين نفسٍ و اخر...وانت حين تقرأ هذه النصوص ستدرك انك تشهق وجعاً في كل حرف دون ان تعي انها لمست الجرح.. في النصوص صدق واضح لتجارب حقيقة ربما عاشها الكاتب فدون بعضهاً مخاطباً كل نفس مرت بهذه التجارب مضيئاً الطريق لتلك الأرواح التائهة في ظلمات الحياة تبحث عن إجابات سرمدية لمزاجياتها الفذة... فالكتاب وضع النقاط على الحروف بصورة رمزية حقيقية بسيطة و معقدة بذات الوقت تشابكت معها الحقيقة بالوهم و تصاعد من تناثر وجعها دخان القلوب التي احترقت من نار الحياة المتخمة بالانتقام من بني البشر(لا توجد شماتةٌ اكثر من تلك المجموعة التي كانت تبتسم و انت تبكي مجيئك للحياة) تقف عند هذه الكلمات كل المشاعر البشرية التي ربما تذوي بسبب ما مر به كل فرد وحسب مستوى وجعه؛ الامر ينطبق على حياة الكاتب ايضاً نحن نأتي الحياة بصرخة هستيرية بعد ان يتم ضربنا رغماً عن السكوت... فتجد هذا الفعل مداعاة للفرح و السعادة ها قد اتى بائسٌ اخر لهذه الحياة تهلل الام سعيدة و يضحك الاقرباء فرحاً وهم يستمعون بكل نشوة لتلك الصرخات و البكاء... في مصطلح الحياة لا يوجد غير الكليشيهات التي تؤطر كل شيء فانت عندما تكمل ابرام صفقتك وانت قابع هناك في رحم امك تكون قد اسديت النقاء خدمة بان يزيح عن كاهله روحاً أخرى من الله.. وبهذا انت توافق على ان يكون الألم سيد الموقف و الوجع خيطٌ تستتر به عن عيون الملأ المنتظرين قصة البدء بهذا الفلم الجديد الذي اسمه (القدر). النصوص تعطي رؤية واضحة عن حياتنا الراهنة ربما تعطيك درساً في المعرفة الفذة لما تجهله حقاً عن نفسك.. الناقد للماضي والحاضر و المتنبئ لحقيقة المستقبل بواقعية ادراكية تختلف بمسارها عن واقعية الفهم و الادراك الآني للحقائق... فهو يقول (لو لم تُخلقوا من طينٍ... لَبَانَ ما في داخلكم... لكنكم محظوظون) النفس البشرية بطبيعتها ملوثة تبدء تلك اللوثة مذ لحظة استنشاقه هواءها يكبر في مجتمع بليد تحوطه الأفكار المسمومة و ينتقص افراده بعضهم البعض بصورة سيئة مظلمة و هكذا تنشأ الأجيال على مرأى و مسمع الظلام... هنا يرتدي كل شخص ما يراه مناسبا من قناع حتى يتعامل به مع الاخرين كلٌّ حسب مستوى ضحالته... تستمر في العيش ضمن مصيبة الحياة لكنك تدرك ان هناك ما يلطف من هول المصيبة وهي انك ستعبر الضفة الأخرى التي لن يطاردك فيها وجع او ظلام, تنتظرك حياة أخرى لن ترى فيها هذه الوجوه الضحلة... ومهما كان صمتك طويلاً فالروح تنطق و الكلمات تنطق و الحقيقة تنطق ليس بالضرورة ان ينطق اللسان.. نشعر بالغبطة احياناً عندما نرى أولئك المتصالحين مع انفسهم الذين اتخذوا من الصمت ملجأ ومن الوحدة بيتٍ دافئ يقيهم من قساوة الاخرين... لكنهم قلة قليلة فالطبيعة البشرية اجتماعية بطبعها تنبلج خصالها على السنة الاخرين بالسلبية او الإيجابية وبهذا تتأثر الطبيعة الإنسانية ببعضها البعض..
الخطاب الصادق
ان الفكر العقلي ومنهجه يرتبطان بشكلٍ كبير مع الخطاب الصادق الحقيقي وصلاحيته غير المحدودة في تغيير الأفكار وهنا يخاطب النفس مرة و الحياة تارة أخرى بمشاعر إنسانية بحتة مشاعر كانت ام احاسيس ويجمعهما في منهج الوجدان و الفطرة الوجودية «من اعراض الموت:( ستكون الحياة جميلة)» يعطيك طريقة فذة في تقبل نهايتك المحتومة وان كنت رافضاً لها... لكنه يربط الموت بمشاعر الحب و الوفاء تارة أخرى «اعلم بانني سأموت في المشفى و سيكتب الممرض على سريري كان سبب وفاته وفاءهُ» «الدليل على وفاتي انني موجودٌ في الحياةِ» «الموت سيفقدك الحياةَ و الحياةُ ستقتلك شيئاً فشيئاً» ابدع الكاتب في إيصال رسالته بكل تلك البساطة المعقدة واستمرت النصوص بتلك النسبية تتحرك مابين شذب و جذب تأخذك مرة لقمة الامل و تنزل بك تارة لقاع الألم...شحذ الكاتب في تلك النصوص كل مفاهيم انسنة المشاعر حتى تلك المفاهيم البليدة التي يتم تجاهلها ولا ينتبه لها أحد والتي تنبت بجذورٍ راسخة في القلب لتجعله ينهار في اية لحظة «من الأكاذيب المفرحة (سيكون بقربك من وعدك بذلك)» وبهذا اخذ الكاتب دور الناصح تارة و دور الضحية تارة أخرى و دور المتقبل لكل تلك المصائب التي يختبرها بشكلٍ يومي في حياته. ابدع في وصف الحبيبة و الحب و الخذلان و الموت والحياة حتى خاطب الروح و النفس والقلب بدفأ جميل.