المأزق .. الطريدة والصياد

المأزق .. الطريدة والصياد
ضرغام الدباغ
استولت المشاجرة بين الحليفان: رئيس الولايات المتحدة ورئيس أوكرانيا كحدث سياسي تاريخي (ستترتب عليه نتائج مهمة) على وسائل الاعلام العالمية طيلة يومين دون توقف. والحدث يستحق بلا شك هذا الاهتمام ليس لندرته، فحسب، بل ولظرفه السياسي: لدولة (أوكرانيا) على وشك أن تخسر حرباً ستكون لها نتائج مهمة،(روما مصيرية) ولهذه الدولة علاقة وثيقة بدولة عظمى (الولايات المتحدة الامريكية) لها تأثير فعال على الموقف السياسي والعسكري، ورئيسها اليوم بصفة زائر لدى رئيس الدولة العظمى، وفي قصره بعاصمة الدولة.
والحدث يشير إلى أن :
- الرئيس الاوكراني الزائر، كان مشحوناً لرؤيا وبظلال مواقف سابقة، كان عليه أن يتخلص منها. قبل المفاوضة، ولكنه لم ينجح، وربما شجعه طرف على الوقوف بحدة في القصر الأبيض، فمبدئياً كان الرئيس الاوكراني الزائر هو قد قبل الصفقة : السلام مقابل ما تبقى من أوكرانيا، وحياد أوكرانيا، وتسدد أوكرانيا 350 مليار دولار من ديونها للولايات المتحدة مقابل تسليم 50 % من المعادن الثمينة.
- كان بوسعه أن يؤجل الزيارة لواشنطن ليمنح نفسه بعض الوقت لتفريغ التأزم في العلاقة،
- كان بوسعه أن يختلق مناسبة، كمقابلة مع إعلامي مشهور يصلح فيها هفواته وزلاته الإعلامية، لإنجاح محادثته الحاسمة في واشنطن.
- كان عليه أن يجد البدائل عن حليف أو حلفاء، إن هو خسر الولايات المتحدة الحليف الأكبر لبلاده (الأقوى والأكثر نفوذاً سياسياً وكقدرات مالية)، في الدور النهائي للحرب.
- كان عليه أن يستمع لنصائح عقلاء وحكماء يقولون له أن ما يحصد فوق طاولة المفاوضات اليوم تحديداً، هو الأهم والأجدى،
- كان عليه أن يكون، أو يجب عليه أن يكون (مضطراً) كالاسفنج يمتص فيها انتقادات وغضب الجهة المقابلة من صنف الرئيس ترامب، (من حيث القوة المالية والعسكرية والسياسية). وأن يرطب جو الجلسة بدل تسخينها.
- كان عليه أن يعد رؤية سياسية / اقتصادية / استراتيجية، مقابلة لرؤية المحرك الأساسي والممول والمؤدلج للحرب (الحرب لم تكن من بنات أفكار زيلينسكي): " تسديد الديون، برم اتفاق المعادن، الرؤية السيادية لأوكرانيا بعد الحرب ". ورؤية الولايات المتحدة اليوم واضحة جدا لا لبس فيها، تريد السلام وإنهاء الحرب، وتطالب بثمن (وهو ما كان متوقعاً) مقابل لدعمها العسكري، المادي/ السياسي المتواصل لثلاث سنوات ونيف، وهو دعم ليس مجاني بل محسوب لحد الدولار الواحد، أستهلك أكثر من 350 مليار دولار، وهي خسائر جسيمة يصعب احتمالها ...! وربما خسائر أخرى لم يحن وقت الافصاح عنها. وضمان وجودها بعدم الانضمام للناتو أو الاتحاد الأوربي.
- كان بوسعه أن يقول كلمة بسيطة مهذبة ربما يحرج فيها الرئيس ترامب ويتسبب بإدانة دولية له بدل الرد عليه بخشونة كانت وبالاً عليه.
- الرئيس الاوكراني كان منذ بداية الازمة مع روسيا، كمنفذ خطط، وليس صانع خطط وقرارات، التي قادت للحرب مع روسيا، وكان موافق على الصفقة والوثائق جاهزة للتوقيع،
في حالات كهذه(شجار سياسي / دبلوماسي) لا يحق النظر إليه كشجار في حانة أو مقهى ..! أو بحسابات الكرامة الشخصية، ومن نافلة الكلام تقييم الأمر بقيم الشجاعة والشطارة والجرأة وما شابه كما سمعنا وقرأنا ..! بل يحسب في الأمر مقدماته وحواشيه وأطرافه، وما قبل وما بعد، فللأمر آثار سياسية كبيرة وخطيرة ستنعكس سلبا أو إيجاباً على مصائر شعوب، فالشجاع يظهر شجاعته في نزال فردي يتحمل خيره وشره، بل يحاول جهده أن يبدو معقولا ومقبولاً ومسيطرا على حواسه.
الآن مالعمل ... بعدما حصل ما حصل كيف يمكن تصليح هذا المأزق ...!
- زلينسكي أدرك بعد هنيهة قصيرة أنه أخطأ، وربما شعر انه أخطاء منذ البداية، حين قبل أن يكون أداة لجهات في شراكة هو لا يقودها، بل هو قدم بلاده كملعب فيها، والاعطال والاضرار ستصيب الملعب (ملعبه)، وهو من سيتولى تنظيف الساحة والمدرجات من الأنقاض والفوارغ والمحطمات ..! وأبرق بالموافقة على الصفقة السلام بمفرداته، مقابل 350 مليار ديون.
- الأعتذار (و هو إقرار بالذنب) سيكون صعباً على المستوى السياسي / التفاوضي، الذي أصيب إصابة بالغة، التفاوض يدور عن تنازل أوكرانيا عن 50% من مصادر ثرواتها من المعادن الثمينة الليثيوم والسكانديوم (كمنتج ثانوي لمعالجة خام الحديد)، والتيتانيوم (في صورة إلمينيت وروتيل)، والزركونيوم والزئبق.. يرجى الانتباه قلنا : 50% من المصادر، غير محددة بكمية ولا بقيمة ..!
- توقيع أوكرانيا على الاتفاق مع الولايات المتحدة، سيفتح الطريق للاتفاق الأمريكي / الروسي سيحفظ ويضمن بقاء أوكرانيا السياسي وحيادها (عدم الانظمام للناتو والاتحاد الاوربي) وإعادة أعمارها، وعدم القبول سيعني مواصلة الحرب واحتمال استيلاء روسيا علي هذه الموارد وغيرها، مع مزيد من الخسائر البشرية والمادية، مع احتمال أن تصبح أوكرانيا بأكملها روسية كما كانت طوال تأريخها ...! أميركا بلغت نقطة تريد أن تنهي الحرب مع روسيا ولديها أسبابها، ولا تريد البوح بها. ومن يريد الحرب، فليذهب لها ولكن بدون الولايات المتحدة.
هل يمكن تصحيح الأخطاء ..؟
- بالطبع يمكن تصحيح معظم الأخطاء بتكاليف تختلف باختلاف حجم الخطأ وآثاره المادية والمعنوية، ومن المرجح أن تقبل الولايات المتحدة التسامح مع الخطأ ولكن بشروط جديدة ...!
- زيلنسكي/ وأوكرانيا عليها معالجة هذا الخطأ، زيلينسكي أعلن عن موافقته توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة دون كلمة الاعتذار، هل ستكتفي الولايات المتحدة بذلك، ربما نعم ... وربما ستزيد عليه أنها لن تتفاوض مع زيلنيسكي مستقبلاً، وهذا يعني أن على أوكرانيا أن تجد بديلاً عنه.
- واشنطن تقول لحلفاءها الأوربيين .... هل أيقنتم الآن من مضار اللعب بغير قيادتي ...تفضلوا ودافعوا عن أوربا .....؟ بالطبع الكلام هنا لا ينفع في الإصرار من قال كذا ومن قال كيت .. هناك مأزق ينبغي الخروج منه.
- سؤال مهم أخير : هل كانت الحرب الأوكرانية نهاية العولمة ..ونهاية للقطبية الأحادية ..؟ ممكن، وهذا ما سيتحقق وسيعلن كله أو جزء منه في مؤتمر الرياض بين الرئيسين بوتين وترامب ..وسؤال جوهري آخر: هل ستكون هناك ملفات أخرى على طاولة مفاوضات القطبين ...وما هي أبرز هذه الملفات ....؟
الحدث كمفارقة دبلوماسية دخل التاريخ، وأرجح أنا شيئا لم يحدث مصادفة، والرئيس الأمريكي هو ممثل الدولة العميقة في الولايات المتحدة، ولكن الأهم هي عبر كثيرة جداً من الحرب الأوكرانية سنحاول أن نكتب عنها في المستقبل إن أمد الله بأعمارنا ..فسوف نشاهد الكثير ... والكثير جداً من الأفلام الغريبة العجيبة ....ولا يصح إلا الصحيح .......!
مشاهدات 46
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2025/03/09 - 3:19 PM
آخر تحديث 2025/03/10 - 6:11 AM