الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السندي يواجه الخراب في مجموعته دمار الحروب: لوحاتي مرآة لما نخشى مواجهته أحياناً

بواسطة azzaman

السندي يواجه الخراب في مجموعته دمار الحروبلوحاتي مرآة لما نخشى مواجهته أحياناً

الموصل - ميادة الحسيني

تسترجع الذاكرة لحظات السعادة الحقيقية التي عشناها ذات يوم مع من نحبهم وتارة تسترجع الذاكرة ذاتها   أيام كانت ألامها كبيرة ولايمكن ان ننساها لعظيم ما عشناه من خوف ورعب وفقد وتبقى الذاكرة الشاهد على ما جرى لنا مهما مر الزمن ومهما تغيرت حولنا الشخوص والحياة ، وفي فضاء الصمت الذي تخلفه الحروب، تظل بقايا الدمار شاهدة على ما كان. الدبابات المهجورة، الآليات العسكرية المتآكلة، والحديد الصدئ، كلها شواهد على حقبة مضت، لكنها لم تنتهِ من الذاكرة. الفنان قيس السندي، في مجموعته الأخيرة (دمار الحروب)، يحوّل هذه المشاهد إلى لغة بصرية تتحدث ببلاغة تفوق الكلمات. في هذا الحوار، يتحدث لنا عن دوافعه، رؤيته الفنية، ورسائله المبطنة بين ضربات الفرشاة.

في البدء نتعرف اكثر على الفنان  التشكيلي قيس السندي وعن حياته: من هو قيس السندي؟

- انه فنان تشكيلي معاصر، يعمل في مجالات الرسم، الفن التركيبي، الفيديو آرت، والفن المفاهيمي، مستخدمًا أساليب ما بعد الحداثة لاستكشاف القضايا الوجودية والإنسانية. وُلد في بغداد 1967 ويقيم حاليا في كاليفورنيا بامريكا. حاصل على رسالة الماجستير في الفنون من كلية الفنون الجميلة في بغداد. أسلوبه الفني يمزج بين الرمزية والتعبيرية. اقام العديد من المعارض الشخصية، وايضا شارك في معارض دولية بارزة.  حيث أصبحت أعماله محط اهتمام جامعي الفنون والنقاد. في مجموعته «دمار الحروب»،وهي واحده بين الكثير من المجموعات - يواصل السندي استكشاف العلاقة بين التاريخ والذاكرة، بين القوة والزوال، مستخدمًا الفن كوسيلة لطرح أسئلة تتجاوز حدود الزمان والمكان.

ما الدافع وراء اختيارك لموضوع الحرب، رغم أنه قد يبدو مستهلكًا في الفن؟

- الحرب ليست مجرد موضوع، بل تجربة إنسانية متكررة ومأساوية. ما يهمني ليس الحرب كحدث زمني، بل تداعياتها، أثرها الممتد على الذاكرة، وكيف يتحوّل الحديد الصلب إلى شهادة بصرية على الموت والعبث. عندما أقف أمام دبابة متروكة، أراها ليست مجرد آلة عسكرية، بل كائناً متحجراً يحمل في طياته صرخات من كانوا فيه. أردت أن ألتقط هذه اللحظة الساكنة، التي تبدو هادئة ولكنها تصرخ في داخلها.

لوحاتك تحمل بعدًا دراميًا قويًا، رغم غياب الشخصيات. كيف تنقل هذا الإحساس؟

- أؤمن أن الجمادات تحتفظ بذاكرة الحديد، رغم صلابته، يحمل آثار الزمن، والدمار يُخلف بصمته عليه. في لوحاتي، أعمد إلى استخدام ألوان قاسية أحيانًا، وأخرى باهتة تعكس التآكل والزمن. التفاصيل المتروكة،الصدأ، التشققات، الظلال الثقيلة،كلها تحكي عن ما كان، دون الحاجة إلى وجوه أو عيون. الحرب ليست فقط في القتال، بل فيما تخلفه وراءها، وهذا ما أردت تصويره.

وسائط فنية

في مشروعك «دمار الحروب»، لا تكتفي باستخدام اللوحة فقط، بل تمتد إلى وسائط فنية متعددة. كيف تخدم هذه الوسائط المختلفة رؤيتك في إيصال تأثير الحروب وتبعاتها؟

- «دمار الحروب» هو مشروع متعدد الوسائط، يتضمن اللوحة، والفن التركيبي، والفن الصوتي، ويدعو المشاهد إلى مواجهة الحرب، لا من خلال تمجيدها، بل عبر تأمل مآسيها التي لا تمّحي، وتبعاتها التي تمتد إلى ما بعد آخر رصاصة.

البعض يرى أن هذه المشاهد قد تكون مجرد توثيق بصري، كيف ترد على ذلك؟

- لوحاتي ليست وثائق، بل شهادات. لا أرسم الدبابات والآليات العسكرية كتقارير فوتوغرافية، بل كحالات نفسية. لكل دبابة في لوحاتي قصة، ليست مجرد آلة معدنية بل كائن فقد وظيفته، مهجور وسط الفراغ. ربما كانت هذه الآلية يومًا أداة قتل، لكنها الآن مجرد جسد فارغ، ينتظر النسيان أو إعادة التدوير. بهذا المعنى، أراها أقرب إلى تأملات فلسفية حول المصير والزمن.

ماذا عن التقنية المستخدمة؟ هل اعتمدت أسلوبًا معينًا لإيصال الفكرة؟

- اعتمدت على مزيج من التعبيرية والانطباعية، مع توظيف ملمس كثيف للألوان لإبراز شعور التآكل والانهيار. الخطوط ليست مستقرة، كما لو أن اللوحات نفسها تئن تحت وطأة الذكرى. استخدمت أيضًا درجات لونية تعكس الصدأ والرماد، لتكون جزءًا من السرد البصري. كان من الضروري ألا تبدو اللوحات وكأنها «مشاهد حرب» تقليدية، بل كأنها ذاكرة حية، تأبى أن تُنسى.

كيف تعتقد أن الجمهور سيتفاعل مع هذه الأعمال؟

- كل شخص يرى الحرب من زاويته الخاصة. البعض قد يجد فيها رسالة سلام، والبعض قد يراها تذكيرًا بالماضي القريب أو البعيد. لكنني متأكد أن كل من يتأملها سيشعر بثقل الصمت فيها. هذه ليست لوحات للزينة، بل مرآة لما نخشى مواجهته أحيانًا.

في أعمالك، يبدو أن الدمار ليس نهاية، بل بداية لسؤال أكبر عن المصير. هل تعتقد أن هذه المجموعة تطرح تساؤلاً حول ما يبقى بعد الحروب أكثر مما تدينها؟

- الحرب، كما أفهمها، ليست مجرد مواجهة بين الأطراف، بل لحظة يتوقف فيها الزمن في أماكن معينة، بينما يستمر في أماكن أخرى. ما يثير اهتمامي ليس فقط فعل التدمير، بل كيف يتحوّل الدمار إلى أثر، وكيف ينجو من النسيان. هذه الدبابات الصدئة، هذه الآليات المهجورة، كانت يومًا رموزًا للقوة، لكنها اليوم مجرد هياكل تنتظر مصيرًا آخر: أن تُمحى، أن تُعاد تدويرها، أن تُترك كشاهد على زمن مضى. في هذه اللحظة ما بعد الحرب، لا يوجد انتصار أو هزيمة، بل مجرد بقايا تبحث عن معنى جديد. لوحاتي ليست صرخة ضد الحرب فقط, ومساحة للبحث عن سلام شارد، بل استفسار عن طبيعة الفناء والاستمرار، عن ما يبقى حين تنتهي المعارك، وعن كيف تعيدنا هذه البقايا إلى أسئلتنا الأولى: ماذا تبقى منا حين يعبر الخراب؟

إذا كانت الحرب تترك آثارها العميقة في كل شيء، فكيف يمكن للفن، من خلال هذه اللوحات، أن يسهم في تحقيق السلام؟

- السلام ليس مجرد غياب الحرب، بل قدرة على رؤية آثارها بوضوح، والتأمل فيها دون تبريرها أو نسيانها. الفن لا يوقف الصراعات، لكنه يفتح نوافذ جديدة لفهمها. حين ينظر المتلقي إلى هذه الدبابات المهجورة، قد يرى فيها بقايا العنف، أو ربما يجد فيها درسًا عن الزمن والتحوّل، عن كيف تتحول أدوات القتل إلى معالم صامتة، بلا سلطة ولا سطوة. ربما في هذا الإدراك يكمن السلام،حين ندرك هشاشة القوة، وعبثية الصراعات، وحتمية الفناء. لا أبحث عن إجابات جاهزة، لكنني أطرح تساؤلًا: إذا كانت الحرب تترك وراءها الحديد الصدئ، فماذا تترك في أرواحنا؟ عندما نواجه هذا السؤال، ربما نبدأ رحلة نحو سلام أكثر عمقًا، سلام ينبع من الوعي، لا من النسيان.


مشاهدات 43
أضيف 2025/03/09 - 1:25 PM
آخر تحديث 2025/03/10 - 10:35 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 246 الشهر 5013 الكلي 10465962
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير