تحديث القوانين للحد من الطلاق
فارس كامل حسن
تشير الإحصائيات إلى تزايد معدلات الطلاق في العراق بشكل مقلق، حيث تسجل المحاكم الشرعية آلاف حالات الانفصال سنويًا، لا سيما بين حديثي الزواج. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، من أبرزها غياب الوعي الكافي بمتطلبات الحياة الزوجية، فضلًا عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق استقرار الأسرة. ومع استمرار هذه الظاهرة، يصبح من الضروري إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية والعمل على تطويرها بما يضمن الحد من الطلاق وتعزيز تماسك الأسرة.
التجربة الماليزية تقدم نموذجًا يمكن للعراق الاستفادة منه، إذ نجحت ماليزيا في تقليل نسب الطلاق من 33% إلى 9% عبر فرض إجراءات صارمة، من بينها إلزام المقبلين على الزواج بحضور دورات تدريبية تتناول الجوانب الشرعية والاجتماعية والاقتصادية للعلاقة الزوجية. كما شددت القوانين على ضرورة توفّر المؤهلات المالية والعلمية لمن يفكر في الزواج، وأقرت قيودًا قانونية تهدف إلى حماية الأسرة من الـــــــزواج المتسرع وغير المدروس.
في العراق، يمكن اعتماد نموذج مماثل من خلال فرض دورات تأهيلية تشمل التوعية الأسرية والاجتماعية، إلى جانب الجوانب النفسية والاقتصادية التي تضمن إعداد الشباب لمتطلبات الزواج والتحديات التي قد يواجهونها.
مناهج واقعية
ويمكن للجامعات والمؤسسات الأكاديمية المساهمة في تطوير هذه المناهج لتكون أكثر واقعية وقابلة للتطبيق، مما يساعد في بناء ثقافة زوجية قائمة على الفهم العميق للمسؤوليات المشتركة.
وعلى الرغم من المطالبات بإصلاح القوانين، إلا أن هناك خشية من أن يؤدي تعديل قانون الأحوال الشخصية الجعفري الجديد إلى زيادة حالات الطلاق، ليس بسبب نصوصه بحد ذاتها، ولكن نتيجة سوء تطبيقه. ونرى أن المشكلة تكمن في غياب الرقابة والآليات الواضحة التي تضمن التنفيذ العادل لهذه التعديلات، مما قد يؤدي إلى استغلال النصوص بطرق تضر بالأسرة بدلًا من حمايتها. لذا، فإن أي تعديل في القوانين يجب أن يكون مدعومًا بإجراءات تضمن التطبيق السليم وتحد من أي تجاوزات قد تضر بالنسيج الاجتماعي.
على السلطة التشريعية في العراق أن تتبنى مثل هذه المبادرات، من خلال تشريعات تلزم المقبلين على الزواج بدورات تأهيلية كما فعلت دول إسلامية أخرى، كان آخرها المملكة العربية السعودية، التي أطلقت برامج تأهيلية متخصصة للحد من الطلاق.
كما أن دور مجلس القضاء الأعلى ضروري لوضع آليات قانونية تضمن تنفيذ هذه البرامج بفعالية، مما يسهم في خلق بيئة أسرية أكثر استقرارًا ويحد من النزاعات التي تؤدي إلــــــى الطلاق.
إن معالجة مشكلة الطلاق لا تتطلب فقط تعديلات قانونية، بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة تستهدف توعية الشباب، وتطوير آليات قانونية تضمن التطبيق الصحيح للإصلاحات.
إن التجربة الماليزية وغيرها من التجارب الناجحة أثبتت أن السياسات الوقائية أكثر فعالية في تعزيز الاستقرار الأسري، وهو ما يجب أن يكون ضمن أولويات صنّاع القرار في العراق.