الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طماطم‭ ‬بالدهن

بواسطة azzaman

طماطم‭ ‬بالدهن

حسن‭ ‬النواب

 

يا‭ ‬الله‭ ‬رفقاً‭ ‬بمجاعة‭ ‬الناس‭ ‬المتعففين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم؛‭ ‬ولا‭ ‬تدع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يمضي‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬والمعدمين‭ ‬والكادحين‭ ‬بالإملاق‭ ‬والحرمان؛‭ ‬وأقولُ‭ ‬بأملٍ‭ ‬مرتبكٍ‭ ‬يا‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الطاهر‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬إنَّ‭ ‬قلبي‭ ‬يزهرُ‭ ‬بالنجوم‭ ‬كلما‭ ‬جاء‭ ‬شهر‭ ‬رمضان؛‭ ‬بل‭ ‬إنَّ‭ ‬روحي‭ ‬تتماهى‭ ‬إلى‭ ‬سماواتٍ‭ ‬أرى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ترتيل‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬وهي‭ ‬تجري‭ ‬كموجات‭ ‬كوثر‭ ‬في‭ ‬منجم‭ ‬عقلي،‭ ‬وأرى‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬إنَّما‭ ‬ملائكة‭ ‬يمشون‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬سنواتنا‭ ‬رمضان،‭ ‬كان‭ ‬بوسعنا‭ ‬أنْ‭ ‬نرى‭ ‬الجنَّة‭ ‬تمشي‭ ‬على‭ ‬قدميها‭ ‬الطاهرتين‭ ‬فوق‭ ‬أرضٍ‭ ‬بلا‭ ‬فسادٍ‭ ‬وبلا‭ ‬حُسَّادٍ‭ ‬وبلا‭ ‬نفاقٍ‭ ‬وبلا‭ ‬مفخَّخاتٍ‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬يصوم‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بمجملهِ‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يُكدِّر‭ ‬سعادة‭ ‬الإنسان،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬المبارك‭ ‬يثير‭ ‬بك‭ ‬الدهشة‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬طبل‭ ‬السحور‭ ‬ومروراً‭ ‬بصلاة‭ ‬الفجر‭ ‬المحفوفةِ‭ ‬بالأدعيةِ‭ ‬والغفرانِ‭ ‬وقيلولةِ‭ ‬الصائم‭ ‬حين‭ ‬تلسعه‭ ‬شمس‭ ‬الظهيرة‭ ‬بامتحانها‭ ‬العسير،‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬بدقائق‭ ‬الانتظار‭ ‬والصبر‭ ‬الملائكي‭ ‬لسماع‭ ‬صوت‭ ‬أذان‭ ‬الغروب؛‭  ‬وهو‭ ‬يردِّد‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الكون‭ ‬بأسره؛‭ ‬الله‭ ‬أكبر؛‭ ‬حيث‭ ‬تخشع‭ ‬القلوب‭ ‬المجبولةِ‭ ‬بالصبر‭ ‬الجميل‭ ‬والأمل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له؛‭ ‬سعياً‭ ‬إلى‭ ‬فردوس‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭ ‬تترقَّبُ‭ ‬قدومنا‭ ‬ونحنُ‭ ‬نحثُّ‭ ‬الخطى‭ ‬المؤمنة‭ ‬إلى‭ ‬أبوابها‭ ‬الفسيحة؛‭ ‬أذكر‭ ‬قبل‭ ‬خمسينَ‭ ‬عاماً‭ ‬وربما‭ ‬أكثر؛‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬متواضعة‭ ‬من‭ ‬خارطة‭ ‬البلاد،‭ ‬اسمها‭ ‬قضاء‭ ‬أبو‭ ‬صخير،‭ ‬تُسمَّى‭ ‬المناذرة‭ ‬الآن،‭ ‬كأنَّها‭ ‬ماسةً‭ ‬خضراء‭ ‬على‭ ‬خصر‭ ‬الفرات،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬يتجمَّعون‭ ‬فوقَ‭ ‬رابيةٍ‭ ‬تُسمَّى‭ ‬‮«‬الردَّاد‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ساتر‭ ‬ترابي‭ ‬يفصل‭ ‬البساتين‭ ‬عن‭ ‬البيوت‭ ‬ربما‭ ‬شيَّد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬فيضان‭ ‬الفرات،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يتسلَّقون‭ ‬ذلك‭ ‬الساتر‭ ‬الترابي‭ ‬وعيونهم‭ ‬نحو‭ ‬السماء‭ ‬عسى‭ ‬أنْ‭ ‬يصطاد‭ ‬بصر‭ ‬أحدهم‭ ‬هلال‭ ‬رمضان؛‭ ‬وحالما‭ ‬يرى‭ ‬ذلك‭ ‬المحظوظ‭ ‬الهلال،‭ ‬حتى‭ ‬تتصاعد‭ ‬من‭ ‬حناجرهم‭ ‬التهاليل‭ ‬والصلوات،‭ ‬ويتبادلون‭ ‬التهاني‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنَّهم‭ ‬سيدخلون‭ ‬إلى‭ ‬الفردوس‭ ‬بعد‭ ‬برهةٍ،‭ ‬وحين‭ ‬تبدأ‭ ‬طقوس‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬كانت‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬ترافقني‭ ‬حينها‭ ‬مع‭ ‬أخوتي‭ ‬وأخُيَّاتي‭ ‬هي‭ ‬كيف‭ ‬سيمر‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬علينا‭ ‬بسلام‭ ‬دون‭ ‬أنْ‭ ‬تلحق‭ ‬بنا‭ ‬أية‭ ‬عقوبة‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬الطيب‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬حيث‭ ‬أنَّ‭ ‬أمي‭ ‬الشغوفة‭ ‬بالمراسيم‭ ‬الحسينية‭ ‬القُح‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬كانت‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬إبعادنا‭ ‬الى‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬حتى‭ ‬يُنهي‭ ‬والدي‭ ‬فطوره‭ ‬الإسلامي‭ ‬المتواضع،‭ ‬وكان‭ ‬لهُ‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فلقد‭ ‬كُنَّا‭ ‬بشيطنةٍ‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها،‭ ‬يجزعُ‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬الحجر؛‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬مرَّةٍ‭ ‬جعلنا‭ ‬فطور‭ ‬والدي‭ ‬كالعلقم‭ ‬بسبب‭ ‬مشاجراتنا‭ ‬العنيفة‭ ‬وصخبنا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬أذكر‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭  ‬حيث‭ ‬جُرح‭ ‬الأمام‭ ‬علي‭ ‬‮«‬ع‭ ‬‮«‬‭ ‬تحدث‭ ‬مجزرة‭ ‬مباركة‭ ‬لجميع‭ ‬الدجاج‭ ‬والديوك‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الدار‭ ‬لتقدَّم‭ ‬ثواباً‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬الموتى‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬روح‭ ‬الإمام‭ ‬الباسل‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬أخي‭ ‬‮«‬علي‮»‬‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬كان‭ ‬ينتهز‭ ‬تلك‭ ‬المناسبة‭ ‬متسلِّلاً‭ ‬إلى‭ ‬المطبخ‭ ‬بخفَّة‭ ‬قط‭ ‬ليسطو‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أكباد‭ ‬الدجاج‭ ‬المسلوقة؛‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الطريف‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬رمضان‭ ‬ويترك‭ ‬والدتي‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرها‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬اختفاء‭ ‬أكباد‭ ‬الدجاج،‭ ‬وبعد‭ ‬الفطور‭ ‬نهرع‭ ‬نحن‭ ‬الصبية‭ ‬كل‭ ‬مع‭ ‬زمرته‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬صبيان‭ ‬محلَّته‭ ‬لنطرق‭ ‬الأبواب‭ ‬ونصيح‭ ‬بأصوات‭ ‬لجوجة‭: ‬ما‭ ‬جينه،‭ ‬ياما‭ ‬جينه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يضرب‭ ‬أكبر‭ ‬زمرتنا‭ ‬على‭ ‬طبلته‭ ‬التي‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬جلدها‭ ‬من‭ ‬معزةٍ‭ ‬نافقة؛‭ ‬نجمع‭ ‬الزبيب‭ ‬بكيس‭ ‬أبيض‭ ‬والحلوى‭ ‬بكيس‭ ‬آخر،‭ ‬أمَّا‭ ‬إذا‭ ‬تكرَّم‭ ‬أحد‭ ‬البيوت‭ ‬ووهبنا‭ ‬بعض‭ ‬أقراص‭ ‬الزلابية؛‭ ‬فترى‭ ‬أنَّ‭ ‬شجاراً‭ ‬حامي‭ ‬الوطيس‭ ‬سيشبُّ‭ ‬بعد‭ ‬خطوات‭ ‬من‭ ‬مغادرتنا‭ ‬ذلك‭ ‬البيت‭ ‬فيما‭ ‬بيننا،‭ ‬ليظفر‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ‬بشبُّاك‭ ‬الزلابية،‭ ‬وربَّما‭ ‬يسيل‭ ‬الدم‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬بعضنا؛‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬مادام‭ ‬ذاق‭ ‬لسانه‭ ‬حلاوة‭ ‬الزلابية‭ ‬العسير‭ ‬المنال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬صوت‭ ‬مؤذن‭ ‬الجامع‭ ‬يردد‭ ‬بشجن‭ ‬عجيب‭: ‬أهلاً؛‭ ‬أهلاً‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان،‭ ‬ومن‭ ‬صوب‭ ‬آخر‭ ‬تسمع‭ ‬اصطخاب‭ ‬المقاهي‭ ‬المنشغلة‭ ‬بلعبة‭ ‬‮«‬المحيبس‮»‬‭ ‬وصوت‭ ‬أحدهم‭ ‬يصيح‭ ‬‮«‬بات‮»‬‭. ‬وأخشى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حانت‭ ‬فرصة‭ ‬للصبية‭ ‬أنْ‭ ‬يجوبوا‭ ‬الأزقة‭ ‬والشوارع‭ ‬وهم‭ ‬يردِّدون‭ ‬ما‭ ‬جينه؛‭ ‬ياما‭ ‬جينه؛‭ ‬وحين‭ ‬يقفونَ‭ ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬أحد‭ ‬البيوت‭ ‬المريبة؛‭ ‬فلربما‭ ‬يظهر‭ ‬لهم‭ ‬قاتلٌ‭ ‬طائفي‭ ‬ويضع‭ ‬بكيسهم‭ ‬الرمضاني‭ ‬البريء‭ ‬مجموعة‭ ‬عظام‭ ‬لقتيلٍ،‭ ‬أو‭ ‬لربما‭ ‬يضع‭ ‬لهم‭ ‬بالكيس‭ ‬الرمضاني‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطلقات‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬الحلوى؛‭ ‬ولربما‭ ‬ينحرهم‭ ‬جميعاً‭ ‬برشقة‭ ‬رصاص،‭ ‬كونهم‭ ‬من‭ ‬المذهب‭ ‬الفلاني‭ ‬أو‭ ‬‮«‬بدكَه‮»‬‭ ‬عشائرية‭. ‬يا‭ ‬رمضان‭ ‬البلاد؛‭ ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬أتوسَّل‭ ‬حتى‭ ‬تمرُّ‭ ‬كريماً‭ ‬مسالماً‭ ‬آمناً‭ ‬كما‭ ‬عهدتك‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬وتترك‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬جميع‭ ‬أهلنا‭ ‬السلام؛‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬سواسية‭ ‬بالحقوق‭ ‬والامتيازات‭ ‬مثل‭ ‬أسنان‭ ‬المشط‭! ‬والبرهان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬وجبة‭ ‬فطور‭ ‬المسؤول‭ ‬الرفيع‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬طماطم‭ ‬بالدهن؛‭ ‬ولله‭ ‬في‭ ‬خلقه‭ ‬شؤون‭. ‬

 


مشاهدات 117
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2025/03/10 - 3:11 PM
آخر تحديث 2025/03/10 - 8:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 452 الشهر 5219 الكلي 10466168
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير