الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسالة من مسيحية مشرقية إلى الفاتيكان

بواسطة azzaman

رسالة من مسيحية مشرقية إلى الفاتيكان

أورنيلا سكر

 

القمة الروحية حول المشترك الإبراهيمي ليست مجرد مناسبة بروتوكولية للتصريحات الدبلوماسية، بل اختبار أخلاقي وتاريخي لقدرة الكنيسة والمجتمع الدولي على مواجهة إرثهما التاريخي واستحقاقات الحاضر. ما لم يُفهم السياق الكامل لهذه القمم، فإنها تتحول إلى غطاء رمزي لتبرير الاحتلال وتهميش الحق الفلسطيني.

فهل سيعيد الفاتيكان إنتاج تردده القديم، أم سيتجاوز ماضيه الصليبي الاستعماري ليعلن موقفًا شجاعًا يتوافق مع قيم العدالة والحق، المبنية على الضمير الإنساني، وحل حضاري للنزاعات وفق نظام عالمي جديد يقوم على الاعتراف بالآخر لا الغائه؟

الخلفية الاستشراقية: تبرير الإبادة وجرائم الحرب

الاستشراق الأوروبي، منذ بداياته، لم يكن مجرد دراسة أكاديمية للشرق أو الإسلام، بل إطارًا أيديولوجيًا لتبرير السيطرة والاستعمار. لقد ساهمت هذه الخلفية في تقديم روايات عن «الآخر» الشرقي كعدو أخلاقي وثقافي، ما مهد لتبرير الحملات الصليبية، الاستعمار، وجرائم الحرب بحق الشعوب غير الأوروبية.

يوضح جوزيف هشلر أن البابوات في القرون الوسطى ربطوا الحروب الصليبية بالحق الإلهي، ما جعل الاحتلال والحروب الإبادة يُنظر إليها على أنها واجب ديني مقدس. فقد أعلن البابا أوربان الثاني الحملة الأولى باعتبارها «رحلة خلاص فردي وجماعي»، بينما أعطى البابا إنوسنت الثالث الحروب الصليبية صبغة مؤسساتية تربط الدين مباشرة بالسياسة الأوروبية التوسعية.

اليوم، يستمر الخطاب الاستشراقي نفسه بأشكال جديدة: تُوظف النصوص الدينية اليهودية لتبرير الهيمنة، وتكرر المبررات الدينية للإبادة في صيغ سياسية وقانونية حديثة، بينما يُترك الفلسطينيون رهائن مشاريع أيديولوجية وأحلام «هرمجدون» لا تعترف بحقهم ولا بالقانون الدولي.

القمم الإبراهيمية: غطاء دبلوماسي أم تغيير حقيقي؟

منصة تعايش

يقدم المشترك الإبراهيمي نفسه كمنصة للتعايش بين الأديان، لكنه في كثير من الأحيان يعيد إنتاج الخطاب الاستشراقي القديم: تقديم فلسطين كقضية إنسانية وأخلاقية فقط، دون اعتراف بالحق السياسي والقانوني للشعب الفلسطيني.

ما لم يُعترف بالإسلام كدين عالمي وبالحق الفلسطيني كأرض وكيان، فإن أي بيان مشترك يظل رمزيًا، وغالبًا يغطي على استمرار الانتهاكات والجرائم.

استشكال القضية: هل هناك إرادة للاعتراف بالحق؟

كيف يمكن للكنيسة أن تتجاهل إرثها في الحروب الصليبية، بينما تمثل القمم الإبراهيمية اليوم غطاءً لتجاهل الحق الفلسطيني وإعادة إنتاج الخطاب الاستعماري الاستشراقي؟

هل من الممكن تجاوز الرمزية الدبلوماسية إلى اعتراف تاريخي وقانوني يضع حدًا لمحاولات تبرير الاحتلال باسم الدين؟

ختاماً: دعوة للتصحيح الأخلاقي والتاريخي

الاعتراف بالحق الفلسطيني ليس منّة، بل واجب أخلاقي وتاريخي. ما لم يتم الاعتراف بفلسطين كحق سياسي وقانوني، وبالإسلام كدين عالمي، ستظل الحروب الصليبية الحديثة مستمرة، وستبقى القمم الإبراهيمية مجرد غطاء رمزي.

القمة الحالية فرصة للكنيسة والمجتمع الدولي لتجاوز الصمت التاريخي، وتحويل التعاطف الرمزي إلى عدالة ملموسة تعترف بالحقوق القانونية والإنسانية في تقرير المصير. كما يقول الفيلسوف الألماني هانس كونغ:

«لا يوجد سلام بين الأمم تحقق العدالة الإنسانية دون سلام بين الأديان. ولا يوجد سلام بين الأديان دون حوار بين الأديان

فهل يمكن للفاتيكان مواجهة إرث الحروب الصليبية التي روجت للاحتلال والإبادة باسم الدين، وضمان عدم تكراره اليوم بأشكال جديدة؟ وهل هناك اعتراف رسمي بأن الحملات الصليبية لم تكن دفاعية فقط، بل توسعية وسياسية؟

إن الجواب على هذه التساؤلات لا يمكن أن يتحقق إلا من داخل المؤسسات الغربية، وليس بالاحتجاجات الشعبية في العواصم الأوروبية، التي غالبًا ما تكون لحظوية وسريعة الزوال. يجب أن تُسحب هذه القضايا بأفعال ومبادرات عربية وإسلامية، تحاسب وتلاحق داخل المؤسسات الغربية من خلال خطاب إنساني عالمي يوثق «الهولوكوست الفلسطيني»، ويضع إسرائيل أمام المحاسبة الإنسانية والأخلاقية والتاريخية، مع تقديم اعتذار واضح وصريح، كما فعلت ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية مع اليهود، والتأكيد أن اليهود ليسوا وحدهم الضحايا، بل هناك أيضًا الجلادون والتاريخ الذي يجب مواجهته.

 


مشاهدات 51
الكاتب أورنيلا سكر
أضيف 2025/10/04 - 2:00 AM
آخر تحديث 2025/10/04 - 3:22 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 638 الشهر 2619 الكلي 12042474
الوقت الآن
السبت 2025/10/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير