المبدع عندما يرحل
حسن النواب
رحل فانوس السرد، وحكَّاء الجنوب؛ الكبير جُمعة اللامي؛
ولم تكنْ في قلبهِ غصَّة؛
فلقد أحيط بعنايةٍ لا يمكن حتى للعدو أنْ يغفلها.
في 12 / آذار من هذا العام؛
زارهُ إلى الشارقة الشعراء حميد قاسم وعمر السراي وعارف الساعدي، ليطمئنوا عليه.
بإيعاز من رئيس الوزراء.
مات صاحب المجموعة القصصية الشهيرة «من قتل حكمت الشامي؟» مستريحاً؛
وليس في قلبه أي عتبٍ على وطنه،
بخلاف أدباء رحلوا وفي قلبوهم غابة من العتب والدموع على الوطن، لأنَّ الطاغية كان ناقماً عليهم بسبب مواقفهم الباسلة ضدَّ الظلم والاستبداد.
فرقٌ شاسعٌ بين نظام صدام حسين الذي كان يمنح الهبات؛
للأدباء والفنانين والصحفيين وسواهم؛ مقابل حجم ولائهم وعلى حساب كرامتهم؛
وهذا الزمن العراقي الذي يموت فيه المبدع؛
وهناك رعاية تلاحقه حتى آخر رمق في حياته،
بلْ حتى بعد رحيله.
شاهدتُ لقطات من مراسم تشييع نعش مجنون زينب؛
أمام اتحاد الأدباء والكتاب في العراق؛
ومحبيه ومعجبيه وأصدقائه الذين أحاطوا بالنعش الموشَّح بعلم العراق.
وهو وسامٌ يستحقه على نضاله ضد النظام القمعي، وسجنه في نقرة السلمان،
وغربته التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود.
كم كان تعيساً؛
الأديب الذي مات في زمن صدام حسين لأنَّهُ لم يهادن؛
وكم هو على حظٍ كبيرٍ الأديب الذي يموت بهذا الوقت.
هذه حقيقة؛
برغم احتجاجي المستمر على جميع الحكومات؛
التي جاءت بعد سقوط الوثن البعثي.
ولذا عندما يحين موعدي؛ سأموتُ مطمئنَّاً،
فهناك من يرعاهُ ليدفن بطريقة تليق بعذاباتي.
كثيرون عندما يموت أحد الأدباء والفنانين والصحفيين المشهورين؛
يذهبونَ لمراجعة عمَّا جرى بينهم على الماسنجر؛
حتى يبرهنوا للآخرين؛
أنَّ الأديب أو الفنان أو الصحفي الفلاني؛
كان قريباً منهم.
لكني أختلفُ عنهم،
رحل أدباء وفنانون كبار، ولم أفكر نشر عمَّا جرى بيننا،
باستثناء سامي مهدي؛ ولاعتبارات وجدتها حتمية؛
لكشف الخيط الأبيض من الأسود؛ حول المماحكات التي كثرت بعد رحيله.
مع الحكَّاء الأصيل جمعة اللامي الذي رحل قبل يومين؛
جمعتني معهُ حوارات حميمة وخطيرة، وقبله نخلة الله حسب الشيخ جعفر،
وشاعر العصر سعدي يوسف وسواهم، وهي أكثر سريَّة وإثارة؛
وبوسعي أن تكون تلك الحوارات معهم؛ أكثر من كتاب ينتشر كالنار في الهشيم.
احتفظ بما جرى بيننا على الماسنجر؛ ومع أصدقاء مازالوا يتنفسون سحر الحياة؛
خزعل الماجدي وغيره من الأصدقاء المبدعين؛
وأكون محظوظاً لو همد قلبي قبلهم.
لستُ من الذين يبحثون عن (الطشَّة) على حساب رحيلهم.
اخجلوا قليلاً؛ واحترموا هيبة الموتى.