الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الغباء السياسي.. عندما نختار الخطأ بأعين مفتوحة

بواسطة azzaman

الغباء السياسي.. عندما نختار الخطأ بأعين مفتوحة

محمد الربيعي

 

الغباء والجهل... كلمتان تسببان دمار الأمم، ليس فقط في اضعاف بنيانها الحضاري، بل في تفتيت روحها الجماعية. في العراق، تحولا الى سلاح فتاك بيد السياسيين، سلاح لا يطلق رصاصا، بل يزرع الشكوك والاوهام في عقول الناس، ويحولهم الى ادوات طيعة في ايدي الفاسدين.

فهل نملك الشجاعة لمواجهتهما؟ هل نملك القدرة على التمييز بين حقيقة مزيفة وشعار كاذب؟ هل نملك الارادة للتحرر من قيود الجهل والغباء، لنبني بلدا يليق بتضحيات اهله؟

الجهل، ببساطة، هو نقص في المعرفة. يعني انك لا تعلم شيئا معينا. على سبيل المثال، اذا كنت تجهل كيفية عمل الكهرباء او اتمام معاملة في دائرة حكومية، فذلك ليس عيبا، بل هو جهل. ويمكن التغلب عليه بسهولة عن طريق السؤال والقراءة والتعلم. العراق يزخر بأناس طيبين، اذا سألتهم، سيقدمون لك العون.

 لكن الجهل يتجاوز حدود الامور التقنية او الادارية. نرى جهلا واسعا بالحقوق المدنية والقانونية، حيث يجهل الكثيرون حقوقهم في الحصول على الخدمات الاساسية، او في رفع دعاوى قضائية ضد الفساد، او المطالبة بالحقوق. يتجلى الجهل ايضا في انتشار الخرافات والاساطير التي تعيق التفكير العقلي، مثل تصديق الشائعات التي تروج لها وسائل الاعلام المغرضة، او الايمان بافكار متطرفة تدعو الى الطائفية والعنف والكراهية.

نقص معرفة

اما الغباء فهو افة مختلفة تماما، افة تفتك بالعقول وتدمر المجتمعات.

الغباء ليس مجرد نقص في المعرفة، بل هو اختيار متعمد للخطأ على الرغم من وضوح الصواب. انه ان ترى بأم عينيك كيف ينهب الساسة وقادة البلاد اموالك، كيف تتدهور الخدمات الاساسية، كيف يتفشى الفساد في كل زاوية، ثم تعود وتنتخبهم مرة اخرى، متجاهلا كل الوعود الكاذبة التي سمعتها منهم في الانتخابات السابقة.  الغباء هو ان تصدق الشائعات والاكاذيب التي تروج لها وسائل الاعلام المغرضة، بدلا من البحث عن الحقيقة والتحقق من المعلومات. هو ان تنجرف وراء الخطابات الطائفية والعنصرية التي تزرع الفتنة بين ابناء الوطن الواحد، بدلا من التمسك بالوحدة الوطنية والتعايش السلمي. هو ان تتجاهل معاناة الفقراء والمحتاجين، وتكتفي بالتفرج على مظاهر البذخ والترف التي يعيشها الساسة الفاسدون. والغباء ان ترى كيف ينهب الفاسدون ثروات البلاد، بينما تعيش انت في فقر مدقع، ومع ذلك، لا تتحرك بشكل جماعي لوقف هذا الظلم.

يتقن الساسة في العراق استغلال الجهل والغباء. يرهبون الناس بالطائفية، ويشترون ذممهم بالمال، ويوزعون الوعود الكاذبة. والناس، للاسف، يصدقونهم. لماذا؟ لان كثيرا من الناس لا يفكرون بعقولهم بشكل منطقي. الحل، ليس مجرد كلمات ترددها الالسن، بل هو ثورة داخلية، انتفاضة عقلية، زلزال يزلزل اركان الجهل والغباء.

منتدى فكري

الحل يكمن في العلم والمعرفة، في تحويل كل بيت الى مدرسة، وكل شارع الى جامعة، وكل مقهى الى منتدى فكري.

علينا ان نتعلم، ليس فقط من الكتب والمناهج، بل من تجاربنا، من اخطائنا، من قصص نجاح الاخرين.

علينا ان نغرس في ابنائنا حب المعرفة، شغف الاكتشاف، روح التساؤل والشك.

علينا ان نعلمهم كيف يفكرون، لا ماذا يفكرون.

علينا ان نقرا، ليس فقط الصحف والمجلات، بل التاريخ والفلسفة والادب.

علينا ان نفهم العالم من حولنا، ان نحلل الاحداث، ان نميز بين الحقيقة والزيف.

علينا ان نكون قادة التغيير، لا مجرد متفرجين.

علينا الا نصدق اي كلام نسمعه، بل ان نفكر بعقولنا، ان نتحقق من المعلومات، ان نسأل عن المصادر.

علينا ان نكون نقادا، لا مجرد مقلدين.

علينا ان نختار قادتنا بعناية، ليس بناء على وعودهم الكاذبة، بل بناء على افعالهم وانجازاتهم.

علينا ان نختار اناسا نزيهين وشرفاء، اناسا يحبون وطنهم، اناسا يعملون لمصلحة العراق، لا لمصالحهم الشخصية او مصالح جهات خارجية.

علينا ان نكون نحن التغيير الذي نريد ان نراه في العالم.

علينا ان نكون نحن الامل الذي ينير دروبنا المظلمة.

علينا ان نكون نحن العراق الجديد، العراق الذي يليق بتضحيات اهله، العراق الذي يستحق ان يعيش فيه ابناؤه بكرامة وحرية وعدالة.

  بروفسور متمرس ومستشار تربوي

 


مشاهدات 51
الكاتب محمد الربيعي
أضيف 2025/03/18 - 2:33 PM
آخر تحديث 2025/03/19 - 9:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 10081 الكلي 10571030
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير