الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تتكئ الخيبة على كتف الوداع

بواسطة azzaman

حين تتكئ الخيبة على كتف الوداع

مروان صباح الدانوك

 

لم أعد أبحث عن الضوء، ولا حتى بصيصه، ولا أستجدي ظلّاً، فالزوايا التي كانت تخبّئني من وهج الإدراك، اصبحت الآن مكشوفة، باردة، كأنها تشمت بي بصمتٍ متواطئ، كنت أظن الخذلان صفعة، لكنه كان يربّت على كتفي كل ليلة، دون أن أشعر، يترك ملامحه في تفاصيل صغيرة، في طريقة الرد، في صمتٍ ثقيلٍ يتسلل بين الكلام، في نظرةٍ لا تصل إليّ مهما اقتربتُ.كل الأشياء من حولي ما زالت في مكانها، لكنها لم تعد كما كانت، حتى المقهى القريب صار يعطيني القهوة بمرارة مضاعفة، كأنه فهم أن القلب لم يعد يحتمل طعم السكر.كنت أظن أن الخيبة لحظة، لكنها فصل، فصلٌ طويل، لا شتاء فيه ولا ربيع، فقط بردٌ رماديّ لا يتزحزح، ينهش أطراف الانتظار، هل تدري ما أقسى ما في الخيبة؟ أنك لا تستطيع أن تغضب، لأنك كنت تعرف، كنت ترى، لكنك اخترت أن تُغلق العين وتفتح القلب، أنك لا تستطيع أن تكره، لأن في القلب ركناً ما زال يبرر، يعتذر عنك، ويعاتبك لا عنها، كل الطرق التي مشيناها كانت تعرف أنها نهايات، لكنها لبست قناع البداية فقط لأجلي.

وأنا؟

كنت أستعير خطواتي من وهم الطمأنينة، وأدفع قلقي إلى الوراء كأمتعة زائدة في مطار بلا عودة، اليوم، بدأت أرتّب أفكاري كما يرتّب الغريب حقيبته حين تصله تذكرة الذهاب دون رجعة، أراجع الرسائل القديمة، لا لأتألم، بل لأتأكد أنني كنت حاضراً، ولو كغائب مؤقت، أدرك الآن أن الحب لا يُنقذ، بل أحياناً يُغرق، وأن بعض الرحيل لا يحتاج قراراً، بل يحتاج فقط أن تصمت الخيبة قليلاً، كي يسمع القلب صوت الباب وهو يُغلق ببطء. الوداع يقترب، لا بصفير قطار ولا بدمعة، بل بخطوات ثابتة نحو بابٍ لم يُفتح أبداً.

الجزء الثاني لمقالٍ نشر في الزمان بعددها 8162 في 17 نيسان 2025 بعنوان “من حيث لا نحتسب، ينهار الستر»

 

 


مشاهدات 73
الكاتب مروان صباح الدانوك
أضيف 2025/04/21 - 4:03 PM
آخر تحديث 2025/04/22 - 2:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 188 الشهر 22634 الكلي 10903281
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير