الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الطعن بالاحكام مابين النقد والتجريح 

بواسطة azzaman

الطعن بالاحكام مابين النقد والتجريح 

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

اصدرت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قرارها بالعدد (128/ هيئة شؤون المحامين /2025) في 26/3/2025 يتضمن اعادة اضبارة الشكوى الى مجلس نقابة المحامين لاحالة المشكو منها / المحامية الطاعنه الى مجلس التأديب استناداً لما ورد في لائحتها التمييزية المؤرخة 12/5/2024 والتي قدمتها الى الهيئة التمييزية في رئاسة محكمة استئناف/ الرصافة والتي تضمنت عبارات مسيئة للمحكمة ، حيث جاء في حيثيات القرار المذكور مانصه ( ...وعند عطف النظر على القرار المطعون فيه تبين بانه مخالف للاصول واحكام القانون ذلك ان اللائحة التمييزية المؤرخة في 12/5/2024 التي قدمتها المحامية المشكو منها الى الهيئة التمييزية في رئاسة محكمة استئناف الرصافة تضمن عبارة ( ان المحكمة وقعت في تناقض واضح وعدم الدقه في تسبيب الحكم) وتجد هذه الهيئة ان استخدام مثل هذه الالفاظ في اللوائح المقدمة الى المحاكم يشير الى مسلك غير محترم اتجاه القضاءولايتفق مع كرامته في حين يتعين على المحامي والذي يفترض فيه ان يكون خبيرا في القانون واللغه العربية بحكم دراسته وتخصصه وعمله ان يختار الفاظ اكثر لياقة وتأدباً عند مخاطبته للمحكمة مما يجعل المشكو منها اذا استخدمت الالفاظ المشار اليها في لائحتها التمييزية المقدمة الى الهيئة التمييزية في محكمة استئناف بغداد الرصافة مخالفة للواجب المفروض عليها بالمادة (50) من قانون المحاماة رقم (173) لسنة 1968 ويقتضي محاكمتها تاديبياً على وفق المواد 108 وما بعدها من القانون المذكور ....الخ ) ، ولنا على القرار المذكور التعليق الاتي :

1.         في البداية لابد من القول ان المحاماة مهنة نبيلة لانها تضطلع بالدفاع عن المظلومين ، والمحاماة ليست مجرد مهنة وانما فن ، اذ تتطلب مهارة فنية بالقول والتصرف والكتابة والتعبير باللغة والمصطلحات القانونية السليمة ، وان فن المحامي يكمن في كيفية ايصال وجهة نظره القانونية الى المحكمة ومحاولة توليد القناعة لديها للاخذ براية القانوني او للعدول عن قناعاتها اتجاه موضوع معين محل نظر من قبل المحكمة ، وقد عبر الرسول الكريم على القدرة البيانية وشببها بمفعول السحر على المتلقي ، حيث جاء في سنن ابي داود / ص5007  ان الرسول (ص) قال في وصف احد الخطب ( .... )إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحرًا(، والمرادُ بالبيانِ: اجتِماعُ الفَصَاحةِ والبَلَاغةِ وذكاءُ القَلبِ مع اللِّسانِ، والمعنى: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يُشبِهُ السِّحرَ مِن حيثُ جَلْبُ القلوبِ والغَلَبةُ على النفوسِ والتأثيرُ فيها، فيَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ وذلك لحدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القلْبِ له، فيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ...) ، وبالتالي فان وسيلة المدافع قدرته على التعبير، وفصاحة العبارات ، وذكاء استخدام العبارات التي تنفذ لوجدان القاضي وتؤثر في مجريات الدعوى ولاسيما اذا كانت تستند لادلة ووقائع مادية او قانونية .

2.         ان مهمة المدافع (المحامي) اقناع القاضي الذي يحتكم اليه بحجته  ، وليس اثارة حفيظته التي قد تنعكس سلباً على قناعات المحكمة ، وهنا يكون المدافع في مأزق حرج حتى وان كان الحق مع موكله ، فالخلل ليس في الحق وانما طريقه المطالبة بالحق ، وفي ذلك يقول الرسول الاعظم والقاضي الاول  (إنَّكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضَكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّته من بعضٍ؛ فأقضي له على نحوٍ مما أسمع، فمَن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعةً من النار، فليأخذها أو يذرها )  ، فالرسول والقاضي بشر، لا يعلم الغيب، وإنما يحكم بما شرعه الله من البينة والشهود ، وبالتالي فأن انتقاء العبارات وانتخاب الادلة هي التي تجعل حجة المحامي مؤثرة في مسار الدعوى او الطعن القضائي .

3.         الطعن القضائي هي وسيلة لحماية الحق اتاحها قانون المرافعات المدنية لكل خصم تضرر من الاحكام القضائية او اعتقد انه قد تضرر منها وفق الاليات التي نص عليها القانون ، وبالرجوع للطعن الاسئنافي موضوع القرار نجد ان المادة (188) من قانون المرافعات المدنية النافذ نصت على تقديم الاستئناف بعريضه تحريرية الى محكمة الاستئناف  وان تتضمن البيانات الجوهرية للدعوى المنصوص عليها في المادة (46) من قانون المرافعات واسباب الاسئناف (المادة 189) مرافعات  ، وطلبات المستأنف ، والاسئناف كأحد درجات التقاضي تكون محكمة الاسئناف مؤلفة من هيئة قضاة وليس قاض واحد والهدف من ذلك ضمان رقابة ومراجعة لاحكام محاكم الدرجة الاولى والتي تكون مؤلفة من قاض منفرد ، فالاحكام الصادرة من ثلاث قضاة ذوي خبرة اكثر جودة من الاحكام الصادرة من القاضي المنفرد ، وبالتالي فان محكمة الاسئناف هي ملاذ الطاعن المتضرر ، ولذلك قيل ( لايضار الطاعن بطعنه ) اي لايجب ان ان يترتب على الطعن وضع الطاعن في مركز قانوني اسوء من المركز الذي وضعه الحكم فيه قبل الطعن .

4.         هنالك فرق شاسع بين نقد الاحكام من خلال تحليل فقراتها الحكمية وصولاً الى اي مخالفة موضوعية او اجرائية تمكن الطاعن من نقض الحكم والحصول فرصه جديدة للمراجعة القضائية ، وبين تجريح المحكمة او القضاة والتي تعني توجيه الاساءة او الاهانة او السب او القذف ، والتجريح لغة هي الاساءة وقيل تجريح الشاهد يعني الطعن او اسقاط شهادته ، وجرح العمل كشف مساؤه وعيوبه .

5.         ان الطعن القضائي يوجه الى القرار المطعون فيه وليس الى المحكمة التي اصدرته ، لان الهدف من الطعن تفكيك الفقرات الحكمية وصولاً لاي مخالفة للقانون او الاجراءات او التناقض في الاحكام ، ومما تجدر الاشارة اليه ان المادة (232) من قانون اصول المحاكمات الحقوقية الملغي قد حدد اسباب الطعن بالتمييز باربعه اسباب هي : صدور الحكم خلافا لقوعد الاختصاص ، مخالفة القانون ، مخالفة اصول المحاكمة ، التناقض بالاحكام ، وكذلك نصت المادة (203) من قانون المرافعات النافذ على اسباب الطعن بالتمييز وحددتها بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه او تاويله او صدور الحكم خلافاً لقواعد الاختصاص او الخطأ الجوهري بالاجراءات الاصولية او بالحكم او بسبب تناقض الاحكام ، وهنا يمكن نشير الى الخلل في الطعن الذي اعتبرته محكمة التمييز الاتحاديه اساءة واهانه للهيئة القضائية عندما نسب الطاعن في لائحته التناقض وعدم دقه التسبيب الى المحكمة وليس الى الحكم .

6.         نصت المادة (50) من قانون المحاماة رقم (173) لسنة 1965 على ان ( على المحامي ان يسلك تجاه القضاء مسلكاً محترماً ان يتجنب كل ما يؤخر حسم الدعوى وان يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة ) وهذا النص يتعلق بالزام المحامي بمبدأ حسن النية بالتقاضي كوكيل عن احد الخصوم وان لايلجأ الى طرق غير مشروعة لاطالة امد النزاع ويمس بسير العدالة من شأنها ان تقلل من احترامه امام القضاء ، وتخل بمبدأ احترام سوح القضاء الذي يوجب على الخصوم ووكلائهم الالتزام بمبدأ حسن النية في مباشرة الاجراءات القضائية والاعد متعسفا في استعمال حق التقاضي المكفول بموجب الدستور والقانون، وما يترتب على هذا التعسف من اثار في بعض القوانين كالقانون الفرنسي الذي يحمل الخصم الذي يخفق في اثبات دعواه المسؤولية في حال ثبوت سوء نيته او غشه بقصد الاضرار بالخصم الاخر.

7.         ان معيار الاساءة الى المحكمة بما تضمنه الطعن من عبارات يعتمد على قصد الطاعن وسوء نيته والتي يمكن استجلائها من سياق الطعن والعبارات الاخرى الوارده فيه وهذا ما لم يتسنى لنا الاطلاع عليه ، وحيث ان استجلاء القصد يتعلق بالنية وهو امر نفسي مالم يقترن بشواهد ماديه فأن اعتبارها خطأ او عيب يوجب المسؤولية التاديبية هو عيب احتياطي ، لذا فأن مجلس التاديب المختص لن يلجأ لعيب احتياطي لاثبات المسؤولية الا اذا فقدت الاسباب الاخرى ، ويمكن ايضاً استجلاءالقصد من التفسير اللغوي للعبارات من خبير لغوي مختص ، واخيرا نؤكد على ضرورة احترام القضاء واختيار العبارات والمصطلحات القانونية والقضائية اللائقه عند مخاطبة القضاء ، ونلتمس من محكمة التمييز الاتحادية الموقرة سعه صدرها لان المحاكم العليا هي الملاذ الاخير والقلعة الحصينة لاحقاق الحق كما عهدناها كمؤسسة قضائية عريقة ... والله الموفق .

 

 


مشاهدات 152
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/04/07 - 1:10 AM
آخر تحديث 2025/04/07 - 3:40 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 658 الشهر 5642 الكلي 10586289
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير