الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقدية


الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقدية

محمد علي محيي الدين

 

   الدكتور عبد العظيم السلطاني، من الأساتذة الأجلاء الذين زاولوا التدريس في جامعة بابل، وهو ناقد وأكاديمي عراقي بارز، أسهم بشكل ملحوظ في تطوير النقد الأدبي العربي من خلال دراساته ومؤلفاته التي تناولت قضايا نقدية معاصرة، مع التركيز على نقد النقد ورؤيته الخاصة في هذا المجال.

آراؤه النقدية:

يُعَدُّ السلطاني من النقاد الذين اهتموا بتطوير مفهوم "نقد النقد الأدبي"، حيث سعى إلى تأصيل هذا المصطلح في الثقافة العربية. في كتابه "مقاربات في تنظير نقد النقد الأدبي"، وناقش من خلاله مفهوم نقد النقد الأدبي وطبيعته، والمحاور التي يرتكز عليها، والحقل الذي ينتمي إليه. كما يتناول موضوع المصطلحات الدالة على هذا المفهوم، مثل "الانتقاد" و"الميتا نقد"، ويقترح استخدام مصطلح "نقد النقد الأدبي" لكونه الأكثر دقة.

  بالإضافة إلى ذلك، اهتم السلطاني بدراسة النقد الثقافي، حيث يرى أن النقد الثقافي هو شكل من أشكال المعرفة التي تحتاج إلى فحص ومراجعة مستمرة، وفي كتابه "نقد النقد الثقافي: رؤية في مساءلة المفاهيم والضبط المعرفي"، يشير إلى أن النقد الثقافي، بنسخته العربية، تعرض لظلمين: الأول هو اتساعه ليصبح فضفاضًا بلا حدود، والثاني هو تضييق نطاقه ليقتصر على البحث عن النسق المضمر في النصوص الجمالية. ويؤكد السلطاني على ضرورة مساءلة المفاهيم والإجراءات التي يبنى عليها النقد الثقافي لتطوير فاعليته النقدية.

منزلته بين النقاد العرب:

   ويُعَدُّ الدكتور السلطاني واحدًا من أبرز النقاد العرب المعاصرين، حيث أسهم في تطوير الفكر النقدي من خلال دراساته العميقة حول نقد النقد الأدبي والنقد الثقافي. وقد تناول في أبحاثه مختلف القضايا النقدية التي تمس جوهر النقد العربي، ساعيًا إلى تقديم مقاربات منهجية تكشف عن الإشكالات والتحديات التي تواجه النقد في الساحة العربية.

    يُعتبر من المساهمين في تطوير النقد الأدبي من خلال تقديم رؤى نقدية جديدة ومبتكرة. تميزت أعماله بالعمق والدقة في التحليل، ما جعله يحتل مكانة مرموقة بين النقاد العرب. كما أن اهتمامه بتأصيل مصطلحات نقدية مثل "نقد النقد الأدبي" و"النقد الثقافي" أضاف بُعدًا جديدًا إلى الدراسات النقدية العربية.

رؤيته حول نقد النقد:

   يرى السلطاني أن "نقد النقد" هو مجال ضروري لتطوير النقد الأدبي، حيث يتيح فحص الممارسات النقدية وتقييمها، مما يسهم في تحسين جودة النقد وتوجيهه نحو مسارات أكثر دقة وفعالية. في كتابه "مقاربات في تنظير نقد النقد الأدبي"، يطرح السلطاني أسئلة مهمة حول واقع التنظير لنقد النقد الأدبي عند العرب خلال القرن العشرين، مثل: هل كان المنجز العربي في هذا المجال دالًا على خصوصية نقدية عربية، أم هو جهد مبني على منطلقات نقدية غربية؟ ويؤكد على أهمية بناء نقد النقد الأدبي على أسس معرفية رصينة، مع مراعاة خصوصية الثقافة العربية.

   بالإضافة إلى ذلك، يشدد السلطاني على أن النقد الثقافي بحاجة دائمة إلى "نقد النقد الثقافي"، أي فحص ما آل إليه واقعه، وتوجيه مساره، وإزالة الدخيل الذي علق به عن عدم دراية، وإضافة ما ينبغي إضافته. ويؤكد أن النقد الثقافي، بارتباطه بالحياتي والواقعي والمتحرك، يحتاج إلى مساءلة مستمرة لمفاهيمه وإجراءاته لتحقيق غاياته وتطوير فاعليته النقدية

     وفي تأصيل مفهوم "نقد النقد الأدبي" يرى السلطاني أن "نقد النقد" هو ضرورة ملحة لتطوير النقد الأدبي، حيث يعمل على مساءلة الممارسات النقدية، وفحص مدى علميتها، وتقييم إسهاماتها في تطوير الدراسات الأدبية. وهو ينطلق في رؤيته من قناعة بأن النقد الأدبي لا يمكن أن يتطور دون وجود عملية نقد داخلي له، أي عبر "نقد النقد الأدبي"، والذي يهدف إلى مراجعة الأدوات والمناهج التي يعتمدها النقاد، وتحليل مدى توافقها مع النصوص المدروسة والسياقات الثقافية والفكرية.

أما أبرز محاور رؤيته في نقد النقد الأدبي:

-التنظير لمفهوم "نقد النقد الأدبي" حيث ناقش مفهوم "نقد النقد" بوصفه مجالًا مستقلًا يهدف إلى مراجعة الإنتاج النقدي نفسه وليس النصوص الأدبية مباشرة. ويرى أن النقد العربي ظل يعتمد على المناهج الغربية دون مساءلة عميقة لكيفية توظيفها في سياقنا الثقافي العربي. لذلك يقترح ضرورة إيجاد منهج عربي متكامل لـ"نقد النقد"، بحيث يراعي الخصوصيات الثقافية والفكرية للأدب العربي.

-مراجعة تاريخ "نقد النقد" في الثقافة العربية: يشير إلى أن "نقد النقد" لم يكن حاضرًا بشكل واضح في النقد العربي القديم، رغم وجود لمحات منه في مؤلفات النقاد الكبار كابن قتيبة والجاحظ والجرجاني. ويؤكد أن النقاد العرب في العصر الحديث تأثروا بالمدارس النقدية الغربية، خاصة النقد الفرنسي والأنجلو-أمريكي، دون محاولة تطوير بديل عربي منهجي.

 ويرى أن أدوات "نقد النقد الأدبي" وآلياته يجب أن يقوم على أربعة أركان أساسية:

        أ. تحليل المقولات النقدية وفحص مدى اتساقها المنهجي.

        ب. مراجعة المصطلحات والمفاهيم التي يستخدمها النقاد العرب.

        ج. مناقشة التأثيرات الأجنبية في النقد العربي ومدى ملاءمتها للثقافة العربية.

        د. تقييم مدى إسهام النقد في تطوير الدراسات الأدبية والفكرية.

 ولقد تناول السلطاني في أعماله العديد من آراء النقاد العرب والغربيين، محاولًا تحليل مناهجهم ومدى فاعليتها، ومناقشته لنقاد النقد في العالم العربي، فقد وجه نقده لبعض التيارات النقدية التي تبنّت المناهج الغربية دون مساءلة حقيقية لمفاهيمها، ويرى أن النقد العربي يعاني من غياب الأصالة النقدية، حيث يتم استيراد المصطلحات والمفاهيم الغربية دون تكييفها مع البيئة الثقافية العربية، كما انتقد التسرع في تبني "النقد الثقافي" دون تطوير أدوات عربية تتناسب مع الواقع العربي.

 وفي مجال تحليله للنقد البنيوي والتفكيكي، يرى السلطاني أن البنيوية قدّمت إسهامات مهمة في تحليل النصوص، لكنها لم تراعِ السياقات الثقافية والتاريخية للنصوص العربية. وانتقد محاولات بعض النقاد العرب الذين نادوا بضرورة تطبيق التفكيكية على النصوص العربية دون إدراك فلسفة هذا الاتجاه في الفكر الغربي.

أما نقده للنقد الثقافي العربي، فيرى أن النقد الثقافي في الساحة العربية أصبح في كثير من الأحيان مجرد وسيلة لإضفاء طابع "حداثي" على الدراسات النقدية، دون أن يكون هناك وعي حقيقي بجوهره، مشيراً إلى أن بعض النقاد استخدموا النقد الثقافي كأداة أيديولوجية، بدلاً من كونه وسيلة علمية لتحليل النصوص والسياقات الثقافية.

أما أبرز نتائجه واستنتاجاته النقدية، فهو يرى ضرورة تأسيس "نقد النقد الأدبي" كحقل معرفي مستقل، وأن "نقد النقد" يجب أن يتحول إلى علم مستقل ضمن العلوم النقدية، بحيث يدرس النصوص النقدية نفسها، لا النصوص الأدبية فقط.

 ويطالب إعادة النظر في مناهج النقد الأدبي العربي لوجود حاجة ملحة لمراجعة المناهج النقدية المعتمدة في الجامعات العربية، وإعادة تقييم مدى جدواها في تحليل النصوص العربية، وضرورة إنتاج نظرية نقدية عربية أصيلة تستند إلى التراث العربي والواقع الثقافي العربي، بدلاً من الاقتصار على استيراد المناهج الغربية، وضرورة مساءلة النقد الثقافي نفسه، وعدم تبنّيه بوصفه أداة جاهزة دون فحص لمفاهيمه وتطبيقاته في السياق العربي.

  وبذلك أرى أن السلطاني يمتلك رؤية نقدية عميقة تتجاوز التطبيق السطحي للمناهج الغربية إلى مساءلة جوهر النقد الأدبي نفسه. ويؤكد على ضرورة تأسيس "نقد النقد الأدبي" كمنهج علمي مستقل يهدف إلى تحليل الأداء النقدي وتقويمه، وليس مجرد تكرار المناهج التقليدية. كما يشير إلى أن الناقد الحقيقي هو الذي لا يكتفي بنقل المناهج الغربية، بل يعمل على إنتاج معرفة نقدية جديدة تستجيب لخصوصية الأدب العربي.

المصادر:

1-         مقاربات في تنظير نقد النقد الأدبي- دار تموز، دمشق – سوريا- ط1، 2018.

2-         نقد النقد الثقافي- رؤية في مساءلة المفاهيم والضبط المعرفي- الناشر: سلسلة دراسات فكرية–  جامعة الكوفة، توزيع دار الرافدين- بيروت وبغداد- ط1 - 2021.

3-         مؤيد عليوي- عن تنظير نقد النقد الأدبي ومعترك الواقع النقدي- ط ش 17-3-2019.

4-         د. وسام حسين العبيدي- قراءة في نقد النقد الثقافي- جريدة الصباح 27-3-2023.

5-         نقد التأليف الأدبي عند العرب بين الحربين العالميتين- دار الشؤون الثقافية- بغداد- 2021.

 


مشاهدات 44
الكاتب محمد علي محيي الدين
أضيف 2025/02/08 - 12:49 AM
آخر تحديث 2025/02/08 - 5:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 124 الشهر 3937 الكلي 10399308
الوقت الآن
السبت 2025/2/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير