الناقد الدكتورهاشم المياحي حين يكتب المسرح نفسه ناقدًا
محمد علي محيي الدين
في ضوء خافت على خشبة تمتد بين الحياة والفكرة، يظهر الناقد المسرحي الدكتور هاشم المياحي، لا كشاهد فقط، بل كمشارك في إعادة صياغة الوعي الجمالي والمعرفي للعرض المسرحي العربي، ممسكًا بمشرط الفكر، يفتح النصوص كما تُفتح الجراح القديمة، ليُعيد قراءتها لا بمنطق العارف وحده، بل بمنهج الفاحص الذي يعبر من الجمال إلى الجدوى، ومن البنية إلى البُعد الثقافي الذي تُؤسس عليه الحكاية. ولد الدكتور هاشم صيهود محمد المياحي عام 1964 في قضاء المحاويل التابعة لمحافظة بابل، حيث تربّى بين نخل العراق ومآذن حضارته، وارتشف من ينابيع اللغة الأولى قبل أن يقصد الموصل ليتم دراسته الجامعية في قسم اللغة العربية، ويتخرج عام 1987. بدأ حياته العملية في التعليم الثانوي، لكنه لم يرضَ أن يكون مؤدبًا للنصوص المدرسية فحسب، بل عاد إلى محراب العلم فنهل من نبع الدراسات العليا، ليحصل على الماجستير في الأدب الحديث من جامعة بابل عام 2002، ثم الدكتوراه في اللغة العربية عام 2012، فغدا أستاذًا مساعدًا في الكلية التربوية المفتوحة، وواحدًا من الأصوات النقدية التي لا يمكن تجاوزها في الساحة المسرحية. ينتمي المياحي إلى جيلٍ من النقاد الذين آمنوا بأن المسرح لا يُقرأ كما يُقرأ الشعر أو الرواية، بل هو كيان حيّ، يتحرك في الزمن والفضاء، ولهذا جاء اشتغاله النقدي مرتبطًا بالأداء، متقاطعًا مع علم الجمال والنقد الثقافي، عابرًا لحدود التحليل التقليدي نحو فهم السياق العام الذي يُنتج المسرح ويُستهلكه. عضويته في اتحادات ثقافية وفنية متعددة (نقابة الفنانين، اتحاد الأدباء، جمعية الخطاطين، اتحاد التربويين العرب...) لم تكن عضوية صامتة، بل حضورًا فاعلًا ومثريًا. هو نائب رئيس الهيأة الإدارية لمنتدى المحاويل الثقافي، وواحد من أعمدة المشهد الثقافي البابلي والعراقي الأوسع. يُعد كتابه "الأصول التراثية في مسرحيات عادل كاظم" شهادة نقدية على التداخل العميق بين التراث والمسرح العربي الحديث، وهو لا يقرأ عادل كاظم بوصفه كاتبًا فحسب، بل كظاهرة ثقافية لها جذور تمتد في عمق المخيال العربي. أما كتابه الثاني "الحدث الديني في الأدب المسرحي العربي" فهو قراءة فريدة في تداخل المقدس مع المشهدي، حيث يقف المياحي على تخوم النصوص كمن يبحث عن إشارات مخفية في نسيج الخطاب الديني، مستخلصًا أبعادًا فكرية لم يتطرق لها كثير من النقاد. نشر العديد من البحوث العلمية التي تنوعت بين النظرية والتطبيق، منها: آيزر ونظرية الاستقبال، النقد الثقافي وفعل الخطاب، العلاقة بين السياسة والدين من وجهة نظر المسرحية العربية، الخطاب الديني وأثره بالمجتمع، الطابع الإنساني للمرأة في شعر السيّاب، الخطاب الديني الإسلامي من وجهة نظر أدبية. شارك في مؤتمرات عربية بارزة، منها مؤتمر الدراسات البينية في القاهرة عام 2019، وورشة التحول الرقمي للتعليم في جامعة عجمان 2021، إضافة إلى حضوره المتكرر في المهرجانات الثقافية مثل مهرجان نور تونس، ومهرجان أزمر الثقافي في السليمانية، مؤكداً أن الناقد لا يعيش في برج عاجي بل يشتبك مع الواقع، ويحضر في محافله. يرى النقاد أن هاشم المياحي ينتمي إلى مدرسة نقدية تزاوج بين الفهم العميق للنصوص وبين وعي ثقافي بالحراك المجتمعي، وقد وصفه بعضهم بأنه "يكتب بعين الممثل وذهن الفيلسوف"، فيما أشار آخرون إلى أن خصوصيته تكمن في "تفكيكه للمسكوت عنه داخل العروض المسرحية"، بينما رأى البعض فيه "صوتًا عقلانيًا وسط فوضى النقد الانطباعي". ولأنه خطاط، فإن حسّه الجمالي لا يقتصر على اللغة فقط، بل يتجلى أيضًا في رؤيته البصرية للعروض المسرحية، وفي فهمه لتفاصيل المشهد وتناسق الصورة، وكأنما يُمارس النقد بعين الخطّاط الذي يعرف أن لكل نقطة وزنًا، ولكل انحناءة روحًا. إن حضور هاشم المياحي في المشهد الثقافي العراقي ليس مجرد وجود ناقد، بل هو حضور مصلح ثقافي، يسعى لإعادة الاعتبار للمسرح كفعل معرفي وحضاري، ولفعل النقد كرافعة للتنوير، لا كأداة لهدم الجهود. وبين كل سطرٍ يكتبه، يُضيء سؤالًا، ويترك أثرًا في ذاكرة المتلقي. في زمن بات فيه المسرح متعبًا من غياب الجمهور، يبدو صوت المياحي ضروريًا، لا ليعزّي النصوص، بل ليوقظها.