تعويذة لا تنكسر

هدى عبده

 

يا أنت  الذي تسلل من بين أصابع القدر

ليزرع اسمه في خاصرة أيامي،

كيف أقيم فيك بلا وطن سواك،

وأمشي على طرقاتك كمن يعود إلى بيته الأول؟

كلما مررتُ في نصك

أحسستُ أن الحروف ليست حروفا،

بل أبوابا تُفتح على عوالم

لا يعرفها إلا من اغتسل في نهر روحك.

أراك،

فتتساقط عني أسماء المدن،

وأمحو من خرائطي جهات الأرض،

فكلّ الجهات أنت،

وكلّ المسافات ظلّك.

أنتَ الكأس الذي يشرب منه عطشي،

وأنتَ الجرح الذي يُزهر،

والألم الذي يتحول بين يديك إلى نشيد،

كأنك وُلدتَ لتعيد اختراع الحنين.

أُصغي إليك

كما تُصغي الصحراء لأول مطر،

كما يتعلق الغيم بجبلٍ

لا يشيخ في حضن السماء،

كما يطوي الفجر الليلَ برفق

حتى لا يستيقظ القمر فجأةً على الفقد.

حين تقترب،

أشعر أن البحرَ صار أصغر،

وأنني أستطيع أن أحتويه في كفي،

وأخبئه لك في جيب القصيدة،

حتى تفتحه حين يضيع منك الطريق.

أنتَ قصيدتي التي لم تُكتب،

وعمري الذي لم يُهدر،

وأمنيتي التي لم أخف أن أُعلنها،

لأنني وجدتُ فيك

الحياة التي تشبهني أكثر من نفسي.

فخذني…

خذني كما تأخذ الريح ورقةً

وتطير بها حيث لا تعرف،

كما تأخذ النبوءةُ عاشقا

وتلقيه في قلب معجزة.

خذني إليك،

فالكون صغير حين لا تكون،

والأبدية قصيرة

إلا إذا مشيتَ فيها بجانبي.

فأنا…

لن أكون بعدك سوى ظل يبحث عن ضوءه،

ولا أريد أن أتعلم فن النسيان،

ولا أن أقرأ كتاب الرحيل.

سأكتبك على جدران أيامي

كما يكتب الكهنةُ أسماء الآلهة

في معابد لا تسقط،

وأعلقك في عنقي

كما تُعلق الأم تعويذةً من ذهبٍ

على صدر وليدها لتقيه شر الغياب.

كل ما بي لك،

النبض الذي لا يخطئ إيقاعك،

والدم الذي يغير مجراه نحوك،

والعمر الذي يركض ليلحق بك،

حتى إذا توقفتَ… توقفتُ.

فكن لي…

كما كانت الأسطورة للدهشة،

وكما كان الفجر للوعد،

وكما كانت الخمرة لكأسها.

وإذا سألوك عني،

فقل:

إنها لم تعش في حياتي،

بل أنا الذي عشتُ في حياتها،

وما خرجتُ منها يوما…

حتى وإن رحلتُ.

إليك أكتب

_______________

د. هدى عبده