الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تصمت العلاقات يموت المستقبل

بواسطة azzaman

حين تصمت العلاقات يموت المستقبل

سالي خليل

 

في خضم التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم اليوم برز مفهوم التنمية المستدامة كخيار حتمي لا غنى عنه من أجل بقاء الإنسان وازدهار المجتمعات، غير أنّ هذا المفهوم – رغم وضوحه في الخطط الحكومية والاتفاقيات الدولية – ما يزال بعيدًا عن وعي الجمهور، وهنا تبرز العلاقات العامة بوصفها السلاح الحقيقي القادر على نقل الاستدامة من خانة الشعارات إلى فضاء الممارسة اليومية، إذ إن التنمية المستدامة في جوهرها ليست مجرد مشاريع بنى تحتية أو قوانين بيئية، بل هي منظومة قيم تعيد تشكيل علاقة الإنسان بالموارد وبالمجتمع وبالأجيال المقبلة، ولكي تتحول هذه القيم إلى سلوك جماهيري فاعل لا بد من وجود وسيط قادر على صياغة الرسائل المؤثرة وإيصالها بطرق مبتكرة، والعلاقات العامة تمتلك هذه القدرة لأنها لا تكتفي بالترويج لإنجازات المؤسسات، بل تصنع سردية وطنية تجعل الفرد يشعر أنه شريك حقيقي في الحفاظ على البيئة وترشيد الطاقة ودعم العدالة الاجتماعية.إن الحقيقة الصادمة هي أنّ جميع خطط التنمية المستدامة ستظل حبرًا على ورق إذا لم تُترجم إلى وعي جماهيري، والعلاقات العامة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا التحول، فإذا فشلت الوزارات والجامعات والشركات في استثمار أدوات العلاقات العامة لتوعية الناس، فإن نتائجها ستبقى محدودة، وهنا تكمن الضربة، فالعلاقات العامة إما أن تكون سلاحًا يبني ثقافة مجتمعية حول الاستدامة أو تتحول إلى مجرد نشاط بروتوكولي لا أثر له، ولأن السمعة المؤسسية أصبحت اليوم مرتبطة مباشرةً بمدى التزام المؤسسة بمبادئ الاستدامة، فإنّ الجمهور لم يعد ينظر فقط إلى جودة المنتج أو كفاءة الخدمة، بل صار يقيس الثقة بمدى احترام المؤسسة للبيئة ومساهمتها في العدالة الاجتماعية وشفافيتها في التعامل مع المجتمع، وبذلك فإن أي مؤسسة تدمج أهداف التنمية المستدامة ضمن استراتيجيات علاقاتها العامة تضمن لنفسها القبول المجتمعي والديمومة، أما تلك التي تتجاهل هذا البعد فهي تضع نفسها في مواجهة أزمة ثقة قد تعصف بكل ما بنته عبر سنوات، ولا يمكن هنا إغفال الدور الذي يلعبه الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي، فالعلاقات العامة لم تعد محصورة بالبيانات الصحفية التقليدية، بل صارت تعتمد على محتوى بصري وسمعي قادر على إقناع الناس وإلهامهم وحشدهم حول قضايا الاستدامة، والمؤسسة الذكية هي التي تستثمر في إنتاج قصص رقمية تروي نجاحاتها وتُشرك الجمهور في تفاصيلها وتجعله جزءًا من الحل، وبهذا فقط يتحول مصطلح الاستدامة من مفهوم نخبوي إلى لغة يومية يتداولها المواطن في بيته ومدرسته ومكان عمله، والتجارب العالمية تبرهن ذلك، فشركات كبرى تمكنت من بناء سمعة قوية بفضل حملات العلاقات العامة، التي ابتكرت سرديات إنسانية جعلت المستهلك يراها كعلامات مسؤولة، وعلى المستوى المحلي فإن المؤسسات العراقية قادرة على أن تبني نموذجًا وطنيًا خاصًا بها إذا ما فعّلت وحدات العلاقات العامة لتكون منصات حقيقية للتواصل مع الناس لا مجرد أقسام بروتوكولية.

وهكذا يتضح أنّ التنمية المستدامة لا تتحقق بالقوانين وحدها ولا بالخطط المجردة، بل تحتاج إلى بعد تواصلي يضع المواطن في قلب العملية، والعلاقات العامة هي الحاضنة لهذا البعد، وهي التي تملك مفاتيح الوعي والتأثير والتعبئة، وإذا كانت التنمية المستدامة مشروعًا لحماية المستقبل، فإن العلاقات العامة هي الطريق الأقصر لضمان أن هذا المستقبل ليس مجرد حلم بل حقيقة تُصنع على أرض الواقع، ومن هنا نستطيع القول إن الاستدامة بلا علاقات عامة ووعي مجتمعي تبقى مجرد شعار، أما بالعلاقات العامة الواعية فهي تتحول إلى ثقافة تعيش وتستمر.

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 72
الكاتب سالي خليل
أضيف 2025/08/22 - 11:09 PM
آخر تحديث 2025/08/23 - 8:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 222 الشهر 16314 الكلي 11411400
الوقت الآن
السبت 2025/8/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير