الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تظاهرات واشنطن.. حين يحتج الأمريكيون على الديمقراطية التي صنعوها

بواسطة azzaman

تظاهرات واشنطن.. حين يحتج الأمريكيون على الديمقراطية التي صنعوها

علاء العاني

 

في مشهد سياسي غير مألوف في الولايات المتحدة، احتشد مئات الآلاف في العاصمة واشنطن ومدن أخرى تحت شعار «No Kings – لا ملوك»، وشعارات اخرى تدعو إلى الحد من توسع صلاحيات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومؤكدين أن الديمقراطية الأمريكية مهددة من داخل مؤسساتها نفسها.

هذه التظاهرات، التي وُصفت بأنها الأوسع منذ احتجاجات “حياة السود مهمة”، ليست حدثًا عابرًا، بل مؤشر على أزمة أعمق تضرب البنية السياسية والاجتماعية الأمريكية منذ سنوات.

ولو تتبعنا خلفيات المشهد لوجدنا ديمقراطية قلقة 

تاريخيًا،و في السنوات الأخيرة بدأ الأمريكيون أنفسهم يشكّكون في صلابة نموذجهم الذين يعدونه الأمثل ديمقراطيا في العالم . الاحتجاجات الأخيرة جاءت بعد قرارات وإجراءات مثيرة للجدل اتخذتها الإدارة الأمريكية، اعتبرها كثيرون تغوّلًا في صلاحيات الرئيس وتراجعًا في الضوابط التي يفرضها الدستور على السلطة التنفيذية. شعار “No Kings” لم يكن صدفة؛ بل رسالة رمزية تقول: “نرفض أن يتحول الرئيس إلى ملك، حتى لو جاء بالانتخابات”.

بحسب الإحصاءات التي نشرها موقع Axios وNBC Washington، شارك في التظاهرات أكثر من سبعة ملايين شخص في 2700 موقع داخل الولايات المتحدة، من نيويورك إلى لوس أنجلوس، في حراك منسق حمل طابعًا سلميًا واضحًا.

وان الأسباب العميقة لهذه التطور المجتمعي الخطير في مجملها ترى ان ذلك يكمن في :السياسة والاقتصاد والمجتمع 

يمكن تلخيص دوافع الغضب الشعبي في ثلاثة مستويات مترابطة:

اولا : سياسيًا 

حزب حاد

يشعر كثير من الأمريكيين أن النظام السياسي أصبح رهينة الصراع الحزبي الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين. لم تعد الدولة تُدار ككيان مؤسساتي متوازن، بل كـ»غنيمة سياسية» تتنازعها القوى المتطرفة في الجانبين. ومع ازدياد نفوذ تيار “أمريكا أولًا” الشعبوي، تتراجع قيم التعددية والانفتاح التي شكّلت جوهر الهوية الأمريكية.

ثانيا :اقتصاديًا 

رغم أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال الأكبر في العالم، إلا أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء بلغت مستويات قياسية. فوفق بيانات معهد “بروكنغز”، يملك 1 بالمئة من الأمريكيين نحو 35بالمئة من الثروة، في حين يعيش أكثر من 11بالمئة من السكان تحت خط الفقر. هذا التفاوت جعل كثيرين يرون أن الديمقراطية الأمريكية تخدم النخبة المالية أكثر مما تمثل إرادة الشعب.

ثالث: اجتماعيًا 

تزايدت الانقسامات العرقية والثقافية، وتعمق الشعور بعدم المساواة في الفرص والتعليم والرعاية الصحية. جيل الشباب، وخاصة الجامعيين والنساء، أصبح أكثر جرأة في انتقاد المؤسسات التقليدية، وأصبح ينظر إلى “الديمقراطية الأمريكية” بوصفها نظامًا يحتاج إلى إصلاح جذري، لا إلى تمجيدٍ أعمى.

واذا تحدثنا عن رمزية الحراك: لا ملوك في الجمهورية 

شعار “No Kings” هو أكثر من مجرد احتجاج سياسي؛ إنه صرخة رمزية ضد تحوّل الرئاسة إلى مؤسسة فوق المساءلة. المتظاهرون يرون أن القرارات الأخيرة للرئيس ترامب — مثل استخدام سلطات استثنائية في قضايا الأمن والهجرة، أو التدخل في القضاء والإعلام — تمثل خطرًا على مبدأ الفصل بين السلطات. وفي المقابل، يتهم أنصار الرئيس خصومه بأنهم «يحاولون تقويض إرادة الناخبين»، مما يعكس الانقسام العميق في الوعي الجمعي الأمريكي.

اللافت أن التظاهرات لم ترفع مطالب اقتصادية محددة، بل ركزت على إحياء قيم الدستور الأمريكي الذي كتب قبل أكثر من قرنين. هذا يذكّرنا بأن الديمقراطية ليست ضمانًا تلقائيًا ضد الاستبداد، وأنها تحتاج إلى مراقبة مستمرة من المواطنين أنفسهم.

قراءة من منظور عراقي 

من موقعنا كعراقيين، نتابع هذا المشهد بشيء من الدهشة وربما المفارقة؛ فالولايات المتحدة التي طالما قدّمت نفسها كـ»حارس للديمقراطية في العالم»، تجد نفسها اليوم أمام أزمة ثقة داخلية في نظامها الديمقراطي. الاحتجاجات في واشنطن تذكّرنا بأن الديمقراطية ليست “منتجًا نهائيًا” بل عملية مستمرة من التصحيح الذاتي. حين يخرج ملايين الأمريكيين دفاعًا عن مبدأ «لا ملوك»، فهم يعلنون أن الشعوب الحرة لا تفوّض زعماءها إلى الأبد، بل تراقبهم وتحاسبهم.

من زاوية أخرى، يمكن للقارئ العربي أن يرى في هذه الأحداث انعكاسًا عالميًا لتراجع الثقة بالأنظمة التقليدية، سواء كانت ديمقراطية أو سلطوية. الناس في كل مكان باتوا يطالبون بدولة أكثر عدلًا وشفافية، وبزعماء لا يختبئون خلف خطاب القوة أو الدين أو القومية.

نستنتج ما يجري اليوم في المدن الاميركية

ما يحدث اليوم في أمريكا ليس سقوطًا للديمقراطية، بل امتحانٌ قاسٍ لها. فالنظام الذي يسمح بملايين المتظاهرين دون قمع، ويتيح لهم مهاجمة الرئيــــــــــــــس علنًا دون خوف، ما يزال يحتفظ ببعض المواقف التي تحسب له ، رغم كل العيوب. لكنّ استمرار هذا النموذج مرهون بقدرة الأمريكيين على تجاوز انقسامهم، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجـــــــــــتمع.

أما نحن في العراق والمنطقة، فعلينا أن نتعلّم من هذه التجربة أن الديمقراطية لا تُستورد جاهزة من الخارج، ولا تُقاس فقط بصناديق الاقتراع، بل بقدرة المجتمع على محاسبة الحاكم وحماية الدستور كل يوم.

لقد خرج الأمريكيون إلى الشوارع ليسقطوا ملكًا لم يولد بعد، وليذكّروا العالم أن الحرية الحقيقية هي أن تقول: “نحن لا نريد ملوكًا.. حتى لو لبسوا تاج الديمقراطية.”

 

 


مشاهدات 60
الكاتب علاء العاني
أضيف 2025/10/22 - 4:03 PM
آخر تحديث 2025/10/23 - 4:55 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 132 الشهر 15371 الكلي 12155226
الوقت الآن
الخميس 2025/10/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير