الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فنجان على حافة الحرب

بواسطة azzaman

فنجان على حافة الحرب

زينب العزاوي

 

في البِلادِ التي تُكتَبُ أَسْماؤُها بِالرَّمادِ،

الطِّفلُ يَفتَحُ عَينَيْهِ على فِنْجانٍ يَختَبِئُ فيهِ انفِجارُ الصَّمتِ،

والشَّمسُ تَتَعَلَّمُ الحُزنَ على ظَهْرِ الحَمامِ.

 

السَّماءُ لا تُمطِرُ ماءً،

بل خُيوطُ دَمٍ مُعلَّقةٌ على أَرْصِفَةِ المَدارِسِ،

والأُمَّهاتُ يَخبِئْنَ الخُبزَ في جُيوبِ القَصائدِ

ليأكُلَهُ الأشباحُ بَعدَ مُنْتَصَفِ الليلِ.

 

الحُدودُ تَنبِضُ باسمِكَ،

والحواجزُ تَتَكَلَّمُ لُغتَكَ،

والحَربُ تَزرَعُ وُرودًا على خَنَدِقٍ قَدِيمٍ،

حَتّى تَتَوَهَ الأقدامُ بَينَ الوَرْدِ والرَّملِ.

 

في المَقاهِي، تَجلِسُ القَصائدُ على الكَرَاسِي بِلا شُعراء،

والسِّياسةُ تَصبِغُ المَاءَ باللَّونِ الأزرقِ كي يَظُنَّ النّاسُ أنّهُ بَحرٌ.

 

نَحنُ هُنا،

نَزرَعُ الحِكايةَ على حافَةِ الأملِ،

نُحِبُّ على شَكْلِ ظِلٍّ،

ونَموتُ أَحيانًا كي نَعرِفَ أنّ الحَياةَ لا تَتَكرَّرُ إِلّا في ذاكِرَةِ الغائِبِين.

 

 

في الشَّارِعِ الذي يَضحَكُ فَقَطْ حِينَ يَغِيبُ القَصفُ،

تَجلِسُ الحُرُوفُ على المَقاهِي بِلا أَقْلامٍ،

والأقدامُ تُمْسِكُ بِخُيوطِ الهَواءِ كي لا تَنكَسِرَ.

 

النِّساءُ يَزرَعْنَ الصَّمتَ على جُدرانِ بُيُوتِهِنَّ،

ويُطفِئْنَ النَّارَ في المَواقِدِ بِلا دُخَانٍ،

ويَضحَكْنَ لِيمسِكْنَ بِالوَقْتِ قَبلَ أَنْ يُسْرَقَ.

 

الرِّجالُ يَحمِلُونَ صُوَرَ أَطْفالٍ لَم يُولَدُوا بَعْدُ،

ويَضَعُونَهَا في جُيوبِهِم كي لا يَراهُمُ الموتُ،

ويَعودُونَ إلى الفَناءِ كي يَزرَعُوا مَرَّةً أُخْرَى الخُبزَ على الرَّغْبَةِ.

 

وفي مُنْتَصَفِ المَدِينَةِ،

يَقِفُ فِنْجانٌ على حافَةِ الحَربِ،

يَتَحَرَّكُ مَعَ الرِّيحِ،

يَضحَكُ لِلصِّغارِ،

يَبْكِي لِلصَّمتِ،

ويُخْبِرُنا أنّ الحُبَّ لا يَموتُ،

وأنَّ الحَياةَ تَبقَى، حتّى حِينَ تَموتُ كُلُّ المَدنِ.

 

والسَّماءُ، تِلْكَ الغَريبَةُ،

تَسقُطُ عَلَيْنَا رَمادَ الأملِ،

لَكِنَّنا نَفتَحُ أَعْيُنَنَا،

ونُعيدُ رَسمَ الخَرابِ على شَكْلِ فَجْرٍ جَديدٍ.

 

 

في نِهايَةِ الشَّارِعِ الذي صار أطولَ مِنَ الذّاكرَةِ،

تَجلِسُ الشَّمسُ على حافَةِ الرَّصيفِ،

تَعُدُّ البُيُوتَ المُدَمَّرَةَ كَأَنَّها أَصْدِقَاءٌ غائِبُونَ.

 

الرِّيحُ تَحمِلُ صَرَخاتِ الأَطْفالِ،

وتُنَثِّرُها على سُقوفِ المَنازِلِ،

لِيَعرِفَ الكِبارُ أنّ الحُبَّ لا يَموتُ،

وأنَّ الحَربَ مُجرَّدُ فِنْجانٍ على حافَةِ زَمَنٍ يَمُرُّ بِلا عَودةٍ.

 

نَحنُ هُنا،

نَحمِلُ الخَرابَ في جُيوبِنَا،

ونَزرَعُ الأملَ على جُدرانِ الذِّكْرَياتِ،

ونَكتُبُ أَسْماءَ الغائِبِين على أَوراقِ المَطرِ،

كي لا يَختَفِي أَحَدٌ في الظِّلالِ.

 

وفي كُلِّ صَباحٍ،

تَفتَحُ المَدِينَةُ عَينَيْها على نَفسِها،

تَضحَكُ لِلْحُزنِ،

تَبتَسِمُ لِلْغائِبِ،

وتُحِبُّ كَأَنَّ الحُبَّ آخِرُ وَسِيلَةٍ لِلبَقَاءِ.

 

فِنْجانٌ على حافَةِ الحَربِ،

لَيسَ مُجَرَّدَ فِنْجانٍ،

وَلا مُجَرَّدَ حَربٍ،

إنَّهُ كُلُّ ما تَبَقّى مِنّا،

كُلُّ ما سَنَترُكُهُ لِمَن يَأتي بَعْدَنَا،

وَصَوتُنَا الذي لا يَموتُ.

 

 


مشاهدات 53
الكاتب زينب العزاوي
أضيف 2025/10/20 - 3:00 PM
آخر تحديث 2025/10/21 - 1:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 71 الشهر 13805 الكلي 12153660
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/10/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير