الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أيام القسوة والموقف النبيل

بواسطة azzaman

أيام القسوة والموقف النبيل

عدنان سمير دهيرب 

 

أساليب القمع لحرية التعبير عن الرأي ، والنقد إزاء الواقع الخدمي ، والاشارة الى الجانب الأمني بالكتابة في الصحافة إبان النظام السابق ، كانت تشكل أحد المخاطر التي لا يمكن الاقتراب منها ، بسبب القيود التي يطبقها النظام ، ليس على وسائل الاعلام فقط وإنما على أفراد المجتمع . وهي من الوسائل التي تطبقها كل الأنظمة الدكتاتورية لحمايتها من السقوط .

غير ان الكتابة احياناً عن المعضلات التي افرزتها الحروب والحصار مثل تخريب المنظومة القيمية ، جرائم السطو المسلح  ، الفساد المالي الذي ترسخت جذوره لغاية الان وتردي الواقع الخدمي . يمنح الفرصة للصحفي للكتابة عنها ، بوصفها احد عناصر الصحافة في الولاء للمواطن من ناحية ، فيما تشكل تلك الكتابات التي تنشر احد وسائل التنفيس عن معاناته من ناحية أخرى . وبالرغم من تلك الفرصة المحدودة التي تمنحها الصحيفة للكاتب في التعبير عن رأيه ، لكنها تثير الانزعاج والغضب لدى المسؤول المباشر خشية المساءلة من الجهات العليا التي تراقب ما ينشر في الصحف آنذاك التي لا يتجاوز عددها الأربعة صحف ، جميعها تحمل خطاباً واحداً لدعم الدولة والحزب الأوحد .

واذا لم يتمكن المسؤول من معاقبة الصحفي لنشره تلك الموضوعات لا سيما في المحافظات ، فأن المحافظ يبحث عن وسائل أخرى ، لقمع الصحفي وتطويقه ومنعه بشكل غير مباشر من خلال إفتعال ذريعة لها علاقة على المستوى الشخصي بالكاتب .

ذلك ما حدث مع كاتب السطور في عام 2000 حيث هرب عمه من العراق ، وذكرت قضية هروبه في إذاعة المعارضة آنذاك ، ما أثار الغيظ والحنق لدى المسؤولين في محافظة المثنى . ولتنفيذ مآربهم وغاياتهم على ما نشرت ، وجدوا الفرصة سانحة لمعاقبتي ، وذلك باستدعائي الى مقر الحزب في السماوة وإلزامي بحضور عمي خلال أكثر من أسبوع ، بالرغم من عدم علاقتي بهروبه ، وإنما فقط لعلاقة القرابة . وبخلافه يتم إعتقالي ، وذلك ما حدث حين اقتادوني الى مديرية أمن المثنى التي أمضيت فيها أسابيع من التحقيقات والقهر ما برحت في الذاكرة . إضافة الى أصوات السجناء الذين يتم تعذيبهم يومياً بعد الساعة الواحدة ليلاً ولغاية الساعة الخامسة فجراً ، ذلك الأسلوب الذي يفز القلب مع بدء استمرار مسرحية العذاب اليومي ، ليثير الذعر في النفس ، لا يدعني افكر سوى بالتالي الذي يكون انا او ربما السجين الاخر بجواري ، هذا الخوف الذي يمور في داخلي يثير القلق وعدم الوقوف والحركة والجلوس كالقرفصاء او جميعها معاً تلك الساعات الغارقة بالاستغاثات والنحيب ، وما زالت صرخاتهم التي تشبه نواح الريح ، تلك القسوة التي تنشر الرعب لدى الاخرين صرخات الألم التي تتلاشى بين الجدران ، الروح المهمشة ، والبكاء من الوجع الذي يثير الفجيعة حتى ينتزع الاعتراف الحقيقي أو دونه . تلك أيام لا تمحى من الذاكرة المشحونة بالشجن ، تلاحقني بين الحين والآخر .

وبعد تلك الأيام والاسابيع المثقلة بالعذاب والإحباط خرجت من مبنى الرعب والهلع ، بعد كفالة عمي الثاني لنا تحت الضغط والاحراج ، لأبحث عن منقذ للخلاص من دوامة التفكير والضياع في دائرة مغلقة ، وسلطة غاشمة مفعمة بالغدر ، لها من فنون القمع التي لا يمكن الأفلات منها ، والصمت من مرافقة شرطيين غير مرئيين زرعوا في المخيال ، لمراقبة كل حركة لاحتمالات الاتهام والسقوط في فخ آخر .

وبعد أيام من التفكير العميق للتشبث بقشة ، وجدتُ ضالتي بقارب الإنقاذ ، المتمثل بالأنسانين النبيلين د . أحمد عبد المجيد أمين سر نقابة الصحفيين و د . رحيم مزيد عضو مجلس النقابة آنذاك ، لقيامهما بالاتصال بـ عبد الباقي السعدون مسؤول تنظيمات الجنوب للحزب المقبور الذي انهى تلك المعضلة التي أورثتني الحذر الذي يحيق بي لينزع الثقة من الاخرين ... الآخرون الذين يصفهم سارتر بالجحيم .

 


مشاهدات 65
الكاتب عدنان سمير دهيرب 
أضيف 2025/10/20 - 2:56 PM
آخر تحديث 2025/10/21 - 1:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 72 الشهر 13806 الكلي 12153661
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/10/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير