الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فروسية الإمام علي (ع)

بواسطة azzaman

فروسية الإمام علي (ع)

توفيق محمد علي الحسني

 

آداب الفروسية هي تلك الآداب التي نختصرها بكلمة واحدة وهي: النخوة وقد كانت النخوة طبعاً في علي(ع) فطر عليه، وأدبا من آداب العائلة الهاشمية  نشأ فيه، وعادة من عادات (الفروسية) العملية التي يقودها كل فارس شجاع متغلب على الأقران وان لن يطبع عليها وينشأ في حجرها، لأن للفوز في الشجاعة انفه تأبى عليه أن يسف الى ما يخجله ويشينه، ولا تزال به حتى تعلمه تعلما، وتمنعه ان يعمل في السر ما يزرى به في العلانية.

وهكذا كان عليه السلام في جميع أحواله واعماله: بلغت به نخوة الفروسية غايتها المثلى، ولاسيما في معاملة الضعفاء من الرجال والنساء. فلم ينس الشرف قط ، يغتنم الفرصة، ولن يساوره الشك قط في الشرف والحق انهما قائمان كأنهما مودعان في طبائع الأشياء. فاذا صنع ما وجب عليه فلينس من شاءوا ما وجب عليهم، وان افادوا كثير وباء بالخسار اصاب المقتل من عدوه مرات فلم يبتهل الفرصة السانحة، بين يديه، لأنه اراد ان يغلب عدوه عليه الرجل الشجاع الشريف، ولم يرد ان يغلبه او يقتص منه كيفما كان سبيل الغلب والقصاص.

لقد كان رضاه من الآداب في الحرب والسلم رضى الفروسية من جميع آدابها ومأثوراتها.

جريح عاجز

فكان يعرف العدو عدوا حينما رفع السيف لقتاله، ولكنه لا يعادي امرأة ولا رجل موليا ولا جريحا عاجزا عن نضال ولا ميتا ذهبت حياته ولو ذهبت في سبيل حربه، بل لعله يذكر له ماضيه يومئذ فيقف على قبره يبكيه ويرثيه ويصلي عليه.

وهذه الفروسية هي التي بغضت اليه ان ينال اعداءه بالسباب وليس من دأب الفارس ان ينال اعداءه بغير الحسام.

فلما سمع قوما من أصحابه يسبون اهل الشام ايام حروبهم بصفين قال لهم: ((اني اكره لكم ان تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم اعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وابلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم اياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، واصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به)).

وربما شذ عن سنته هذه في بعض الأحايين فاذا به لا يشذ عنها الا كما يشذ الفرسان حين تغلبهم بوادر اللسان. فغدر بين رجال السيف من يسمع الكلمة المغضبة فلا ينطق لسانه بكلمة عوراء يجاري بها غضبه الذي طبع على ابدائه ولم يطبع على كتمانه.

ومن قبيل هذا كلمات قالها الامام علي(ع) في ابن العاص وفي معاوية وفي الاشعث بن قيس وغير هؤلاء، ولكنه لم يجعلها ديدنا له كما سبوه على المنابر واشاعوا مذمته بين اهل الأمصار.

ولقد كانت للإمام علي(ع) شواغل اخرى غير الفروسية تجري في مجراها حينا وتبدو غريبة عنها حينا آخر في عرف بعض الناقدين، ومنها التفقه والنزوع الى (التصوف) واستنباط حقائق الأشياء.

فهذه في عرف بعض الناقدين ليست من مزاج الفروسية على ظاهر ما قدروه، ولكن ما التصوف او التجرد للحقيقة؟ أليس هو في معدنه جهادا في الحق او جهادا في الله؟ أليست طبيعة الجهاد وطبيعة الفروسية من معدن واحد؟ ألم نعهد في كل ملة وكل زمان فئات من الناس يجاهدون لأنهم متدينون او يتدينون لأنهم مجاهدون؟

فأمير المؤمنين(ع) فارس لا يخرجه من الفروسية فقه الدين بل هو احرى ان يسلكه فيها، ولا يخرجه من الفروسية بعض المقال في خصومه بل هي بوادر الفرسان بعينها، ولا تزال آداب الفروسية بشتى عوارضها هي المفتاح الذي يدار في كل باب من ابواب هذه النعش فاذا هو منكشف للناظر عما يليه.

المصدر/ من كــــــــتاب الامام علي(ع) حجة الله على الارض. تأليف د. توفيق الحسني

 

 

 


مشاهدات 50
الكاتب توفيق محمد علي الحسني
أضيف 2025/03/17 - 3:53 PM
آخر تحديث 2025/03/18 - 10:49 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 44 الشهر 9793 الكلي 10570742
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير