الإمام علي عليه السلام بين الدراما والحقيقة
محسن القزويني
ليس خالد صلاح كاتب سيناريو معاوية هو الاول من زوّر التاريخ لصالح معاوية بن ابي سفيان فقبله العشرات ممن زوّر التاريخ و حاول ان يمنح معاوية صفة الحكمة والشجاعة والمقدرة على الادارة، فهذا الامام ابن حنبل يسال ابيه كما ورد في ( الصواعق المحرقة لاحمد بن حجر الهيثمي صفحه 127) ساله عن علي ومعاوية فقال له:( اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش له اعدائه شيئا فلم يجدوه فجاءوا الى رجل قد حاربه وقاتله فاطروه كيدا منهم له ).
واورد البلاذري في انساب الاشراف قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (اذا رايتم معاوية على منبري فاقتلوه) في 3/121في ترجمة معاوية واذا بهذا الحديث يتم تزويره ليصبح بعد التزوير( اذا رايتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فانه امين مامون) وهو شكل من اشكال التحايل على الحروف الكوفية غير المنقطة وقد اخذ بهذا النص عدد من المؤرخين منهم الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في ترجمة معاوية بن ابي سفيان في الجزء الاول صفحه 275.
وكما ذكر والد ابن حنبل في سبب التزوير انه يعود الى بغض الامام علي عليه السلام، وهو السبب نفسه الذي لم يستطع خالد صلاح ان يخفيه ففي احدى لقاءاته التلفزيونية كشف عن موقفه من الامام علي عليه السلام واتهمه زورا بانه استعان في حكمه بقتلة عثمان وهو بريء من هذا الاتهام وفقا لما اورده المؤرخون، والذين اشاروا الى عكس ذلك في تفسير مقتل عثمان عندما اوعزوا ذلك الى تقاعس معاوية في نصرة ابن عمه عثمان بن عفان على رغم المناشدات الكثيرة التي طالبه فيها ،كما اوردوا ايضا الرسالة المزورة التي كتبها مروان بن الحكم على لسان الخليفة عثمان الى واليه والذي نص على اعتقال قادة الثورة فكان السبب المباشر في تاجيج الفتنة التي انتهت بمقتل عثمان بن عفان .
حركة كاميرة
لقد حاول خالد صلاح ان يمنح معاوية صفة البطل فرسم عنه صورة الرجل الشجاع و صاحب الحكمة والقوة والعظمة والقدرة على ادارة البلاد بينما منح امير المؤمنين علي بن ابي طالب صفة الرجل الثاني في المسلسل و الذي يقع دائما تحت تاثير البطل المهيمن على حركة الكاميرة في كل اتجاه، بينما راحت الكامرة تصور علي بن ابي طالب رجلا مسكينا يكسر الخواطر ينخدع بسرعة، غير قادر على اتخاذ القرارات الصعبة، يعيش القلق والخوف والتردد في اتخاذ المواقف. وكل من شاهد المسلسل و حتى الجاهل في التاريخ يجد نفسه امام اشخاص لا يمتون بالتاريخ باية صلة فليس معاوية في المسلسل هو معاوية الذي ارتعدت فرائصه عندما طالبه امير المؤمنين بالنزال في معركة صفين كحل لانهاء المعركة وايده رئيس اركانه عمرو بن العاص قائلا: لقد انصفك الرجل, ولا علي الذي رآه المشاهد في المسلسل هو علي الذي قال فيه رسول الله:( لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار), وليس ذلك العلي الذي بات في فراش النبي الاكرم ليلة الهجرة والاعداء من حوله، وليس العلي الذي قتل ابن ود العامري الذي كان يعد بالف فارس، وليس هو الذي قتل مرحبا في غزوة خيبر لتنتهي المعركة بمقتل زعيمها .
وقد اورد رواة الحديث العشرات من هذه الفضائل لعلي امير المؤمنين عليه السلام ومنهم النسائي الذي كتب كتابا في فضائل علي سماه بالخصائص وقد ذكر في سبب تاليفه للكتاب كما اورده الحافظ الذهبي (وهو تلميذ لابن تيمية) في الجزء الثاني صفحه 699 من كتابه تذكرة الحفاظ عن النسائي انه قال:( دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت الخصائص ورجوت ان يهديهم الله) وفي سبب موته ذكر الذهبي ايضا (بانه سُئل عن فضائل معاوية وقد طالبه اهل الشام بالكتابه عن معاوية كما كتب عن علي فقال لهم: اي شيء اخرج ،اللهم لا تشبع بطنه فضربوه على خصيتيه حتى مات، وقد حاول الذهبي ان يحّول الحديث النبوي لصالح معاوية ويسجله في كتابه كفضيلة معتمدا على حديث رسول الله (اللهم من كنت لعنته او سببته فاجعلها له رحمة) وبهذا الحديث تحّول حديث لا اشبع الله له من بطن الى منقبة وهو شكل آخر من اشكال تزوير التاريخ وذلك عندما يحاول البعض جاهدا ان يحّول الذم الى مديح وهو اسلوب فاضح مارسه المؤرخون من قبل واخذ به خالد صلاح في مسلسله عن معاوية.