علي ومعاوية.. التاريخ الممزّق
عدنان أبوزيد
تلبدت سماء التاريخ بغيوم الروايات المتضاربة، فخرج من بين الصفحات رجلٌ يدعى معاوية، يحمل في يده سيفًا، وفي الأخرى بردة الخليفة..
هو سنّيٌ عند قوم، شيعيٌ عند آخرين، وبين الروايتين، يمتد جسرٌ من الخلاف الأبدي، لا يهتز ولا ينهار، بل يزداد تفرّعًا مع كل نظرة جديدة في كتب الأولين.
على موائد الدراما، يُعاد تشكيل الوجه، وتُصقل الأحاديث، فإن روى السني، كان معاوية رجل دولة، قوي الشكيمة، حكم فعدل.
وإن تحدث الشيعي، كان ملكًا جبّارًا، اغتصب الخلافة، وأسس ملكًا عضوضًا لا يليق بورثة النبوة.
وفي المنتصف، يقف المشاهد حائرًا، ليكتشف أن التاريخ ليس إلا مرآةً مزدوجة، كل طرفٍ يرى فيها صورةً مختلفة.
المسلسل ليس مجرد دراما، بل معركة سردية، يحشد فيها كل طرف رواياته وشواهده.. هناك من يدعمه بكنوز الذهب، وهناك من يعارضه بصرخات الغضب.. والنتيجة، ليست سوى إعادة تدوير لحكاية قديمة، بعثتها الأيديولوجيا والمصالح من جديد.
في كل عام، تُبنى جسورٌ جديدة للحوار بين المذاهب، وتُبذل ثرواتٌ في مؤتمرات المصالحة، لكنها مثل الماء على الرمل، تتلاشى دون أن تترك أثرًا.. فالسنة والشيعة لا يختلفون في السياسة وحدها، بل في الزمن ذاته وفي الشخصيات التي كانت رموزًا ثم صارت شياطينًا أو ملائكة.
على شاشات الفضائيات، يتشح البعض بالسواد في ذكرى عاشوراء، بينما يُدير آخرون أبصارهم إلى أمجاد الفتوحات، وكأن التاريخ كتابٌ ممزّق، كل فريقٍ يختار صفحته المفضلة.
منذ قرون، يتساءل المسلمون عن الحقيقة، لكن الحقيقة لم تُكتب إلا بعد مائتي عام من رحيل النبي.. فكيف لظلٍّ أن يُدرَك بعد قرنين؟,
مسلسل معاوية حلقةً أخرى في سلسلةٍ أزلية.. لن يُزيل الالتباس، ولن يُقرّب بين الضفتين.. لأن الأمتين، كُتب عليهما أن تبحرا في سفينتين مختلفتين.