الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كشكول المآسي

بواسطة azzaman

كشكول المآسي

محمد رسن

 

يشهد واقعنا اليوم انقلابًا غريبًا في المعايير والقيم، تراجعت فيه المبادئ والقيم العليا، وأنهيارات أخلاقية بشكل مخيف، غدت المصالح الشخصية فوق كل شيء، زمنا اختل فيه حتى ميزان الأخلاق، فتداخلت القيم وانقلبت الموازين، وأصبح الباطل يبدو حقا، والحق يبدو ضعفًا وسذاجة لم يعد التفوق يقاس بالكفاءة أو الاجتهاد، بل بمدى القدرة على التلاعب، وإتقان لغة المصالح، الممسوخ هو من يرفع شأنه، والرديء هو من يحظى بتقدير الناس بل هو من يقود عجلة الحياة، بينما يُترك النبيل خلف الستار، ويهمل صاحب الفكر، ويُحارب المبدع الحقيقي، تجد من لا يملك فكرًا أو رؤية في أعلى المناصب، أما اصحاب العقول النيرة في الزاوية المنسية، وكأن المجتمع يعاقب النبلاء ويكافئ المتسلقين، أصبح الصدق ضعفًا، والحقيقة سذاجة، والاحترام ضربا من المثالية التي لا مكان لها في واقع يحكمه النفاق والأنانية، حيث لم تعد الموهبة والعمل الجاد هي المقياس الأساسي للنجاح، بل أصبحت الشهرة تصنعها التفاهة، ويُصنع المجد من لا شيء، بينما يُترك المبدعون في الظل، ينكر عطاؤهم، ويُنسى أثرهم، التفاهة باتت بمثابة الهوية التي يتباهون بها دون أي خجل أو شعور بالاهانة، هؤلاء ليسوا مجرد أفراد عابرين، بل أصبحوا رموزا لهذا العصر الممسوخ،أكاد لا أصدق ما أراه، وما أسمعه، وماأشاهده من خلال تجوالي واختلاطي بمختلف فئات المجتمع ومن شتى الطبقات، في الأسواق الشعبية أو في المحافل الأدبية والثقافية، لا أغالي إذا قلت ان داء النفاق هو من ابشع صيغ الانمساخ والتوحش، ينهش في العمق الانساني للمجتمع، والقدرة العجيبة على التحايل والتقلب في المواقف حيث لاوجود لمعايير ثابتة للأخلاق، وايماناً مني بان التغيير لايتوقف وينقل الافراد عبر أنساق كثيرة، فالذوات لا تكون بدورها ثابتة، فهي قابلة للتغيير، وتنتقل من نسق الى نسق آخر مختلف، لكن بدى لي ان هذه التغييرات، توقفت كلياً بجزئية تطوير الذات، فالأخلاقيات تنحدر يوما بعد يوم بلا اي رادع جمالي اتجول عادة في الأسواق القريبة من بيتي باحثاً عن مشهد مزلزل يكسر الرتابة التي تجتاحني دائما، أو لقطة مثالية مبرأة من كل صور النقص، او عن خاطرة جمالية تدغدغ القلب الذي يحيا على حافة القدر، إلا اني عادة ماأرجع  خائباً منكسراً مهزوماً من كشكول المآسي الذي كنت فيه، مجتمع يدور في صندوق كبير من الأخطاء التي شوهت القيم والمعارف، تأخذني خطاي الى بعض من المعارف حالماً بحديث تستأنس فيه الروح لأنها بأمس الحاجة الى ان تجد ولو بعض من ذاتها، أو أحلامها في حديث او موقف يشابه تطلعاتها، لم تمض دقائق على وقوفي معهم حتى أهم بالمغادرة بصحبة الوحشة التي تلف أحلامي كالكفن، الأمر المستغرب أن هذه الجماعات البشرية تلتف وتتشبث حول بعضها، وأقصد هنا صناع البلادة  والبذاءة، والكذب، والتحايل،حتى وصل الأمر إلى ان الصفات الحميدة اصبحت كالسلع النادرة في مجتمع معوق فكريا واخلاقيا، والأكثر غرابة ان هؤلاء المسوخ عندما تحاصرهم وتكشف عريهم، يتشبثون في الخطاب العرفي او الديني او العشائري !؟ لإسناد سلوكياتهم وتصرفاتهم الضحلة واعطائها الشرعية الزائفة التي تنهش العمق الإنساني، علماّ ان هنالك الكثير من الإدانات للسلوكيات الرثة في الموروث العرفي والعشائري والديني، لكنها حين تُحرف معانيها، وتُستخدم كغطاء للجهل والتعصب، تتحول إلى أدوات تبرر التخلف وتكرس الظلم، بدلاً من أن تكون منارات للهداية والتقدم، يكاد حضور هؤلاء يغطي معظم العلاقات الاجتماعية! أي الجماعات الخاوية والعقول المحنطة، والضمائر الميتة التي تفتقد للثقة وبلا هوية لها ملامح خاصة بها،

هؤلاء يخافون فقدان مكانتهم، أو مصالحهم، في عالم تحكمه القوة والمصالح، قد يجد البعض أن الصدق والصراحة مكلفان، بينما النفاق يُسهّل الأمور، ويضمن لهم البقاء في المنطقة الآمنة، الدونية والتوحش والذلة والمهانة، صفات غزت حتى الفضاءات الثقافية، وطافت بأروقة الابداع أشباح الزيف والبهتان والمتسلقين، فكم من عبقري حقيقي لم يجد من يسانده، وكم من مبدع مات دون أن يُعترف بفضله إلا بعد رحيله، في حين أن الذين يروجون للسطحية يحصدون الأضواء والثروات، ويظل المبدع يقاتل وحيدا، يعاني من التهميش والإهمال. في حين تُمنح الجوائز والتكريمات لمن لا يستحق، ويُدفن الموهوبون في دوامة التهميش والتجاهل.

 


مشاهدات 40
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/03/18 - 2:41 PM
آخر تحديث 2025/03/19 - 5:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 227 الشهر 9976 الكلي 10570925
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير