الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جابر: الكنطرة تبقى بعيدة مهما مشينا لن نصل

بواسطة azzaman

جابر: الكنطرة تبقى بعيدة مهما مشينا لن نصل

السبعينيون لم يقدموا ما يطرد الرداءة المنتشرة الآن

 

بغداد - محمد إسماعيل

تشبح عينا نجوه الى طيور الطايرة، وهي تعبر فضاءات الكنطرة التي... كلما إقتربنا تبتعد، حتى بعد أن إستأذنت (الزمان) الفنان سعدون جابر في حديث عن تلافيف تاريخ الأغنية السبعينية، النابضة في حناجر موهوبة صقلتها الدراسة الأكاديمية والعمل المهني ميدانياً، وفق سياقات رسالية؛ لأن المطرب قبل عقود لم يكن محض صوت جميل، إنما حامل هموم شعبه في جمال صوته وهو يؤدي ألحاناً تنغم قصائد الوحدة الكبيرة التي شكلت سبقاً ذوقياً تقدم على المستقبل، برغم مكوثه في نطاق الماضي.

الأغنية السبعينية قامت من عناصر لخصها جابر، بالقول: جاءت حاملة دماً جديداً، في النص والأداء والتلحين، ومن صدق هذه العملية الثلاثية، خرجت الأغنية السبعنية الى عمر إمتد الى ستين عاماً، وما زال مديداً.. لن ينقضي الى المئة عام المقبلة، سوف تتذكر الأجيال أن هناك أغنية سبعينية، تبيض الوجه، مؤكداً: بعض المطربين كانوا حالة أدائية فقط، ومعظمهم كان مؤثراً، ويساهم في إنضاج النص واللحن بصوته الجميل.

مضيفا(وجد المطربون المعاصرون أنفسهم في ساحة إفلاس من الجودة.. أداءً وإختياراً، وفي الوقت الذي لا يعرفون خلاله.. ماذا يغنون ولمن يغنون ومتى يسكتون عن الغناء، عادوا الى أغانينا بتوزيعات جديدة، مستثمرين تقنيات هندسة الصوت الهائلة، لافتاً: نعمة الحميمية المباركة في صوتي، هبة من الله.. سبحانه وتعالى، تلك الحميمية الإلهية في الصوت لم تتوفر في الأجيال التالية علينا، الأغنية كانت تعني لنا عقدة كبيرة، نأرق في تجاوزها؛ لأننا نشعر بالمسؤولية، عندما نعثر على نص أو لحن جيدين؛ كأننا دخلنا معركة.. منجز.. لا ننام الليل، كأننا لم نغنِ سواها من قبل ولن نغني بعدها.. هي مبتدانا ومنتهانا، هذا هو الشعور بالمسؤولية، إزاء المجتمع والتاريخ، ندعو الله متى نخلص من هذه الأغنية التي ترافقنا أشهراً؛ كي أسجلها وأرتاح متوجهاً الى ما يليها.. سلسلة حلقات رسالية متصلة، أنتهي من وحادة وأبدأ البحث عن أخرى أقدمها للناس وأراقب زملائي.. ماذا قدموا.. ماذا غنوا.. منافسة شريفة، حتى سلوك المغني، لا يسمح للمطرب بالإنتساب الى الإذاعة والتلفزيون إلا بعد إستيفاء معلومات كافية عن سلوكه وأخلاقه، ناس نقية، يتم إختيار الإنسان المناسب لكل موقع).

الساحة الغنائية

وافاد مطرب «طيور الطايره»: (بقي من السبعينيات من يمثل غناءها.. أنا وحسين نعمة ورضا الخياط وحميد منصور، كل يدعي وصلاً بليلى، كلهم سبعينيون، لكن لم يقدموا ما يطرد الرداءة المنتشرة الآن في الساحة الغنائية.. تكاسلوا متكئين الى عطاء سابق، أو إلتهوا بمشاغلهم، لكن الذائقة المجتمعية باقية.. لم تتردى، برغم رداءة ما يقدم لها، إعطها جيداً تشجعك جيداً، وعندما تعطَ رداءة تتأسف، منوهاً: لو لم نمتلك أصالة ورصانة لما سمعنا الناس ولم نمكث في الفن طويلاً.. ستون عاماً وما زلنا نغني بشكل جيد، الرصانة هي الهوية التي جاءت بإذن الناس تسمعنا وتقدرنا، لذلك لم تخضع الأغنية السبعينية الى قطيعة، في ساحة الغناء العراقية والعربية، برغم كون الشاعر يكتب والملحن يلحن والمطرب يغني.. في هذه المرحلة.. كي يعيشوا وتلك نتيجة سيئة وصلها الفن، لكن لم ينقطع الذوق الراهن عن غنائنا).

ورجح( واجب الدولة رعاية الفن، كانت تكافئ الشاعر والملحن والمطرب وتبث مجاناً، حالياً هذه كلها يجب أن يتحملها المطرب، وهو عاجز عن تلك التكاليف، في حين هو وجه معروف لا يستطيع ركوب سيارات النقل العام.. نفرات، يحتاج سيارة فخمة أمام الناس.. تقدم لنا الدولة دعماً غير مشروط، لم يمارس علينا أي شيء من الإيديولوجيا.. مرات.. كل عشر سنوات أو أكثر أو أقل.. ينبهوننا الى مناسبات مقبلة بعد شهرين أو ثلاثة، بلكت تسوي أغنية عليها.. وأنت لست مجبراً.. لم أجبر في حياتي إلا في أغنية ما زلت أعيش عقوبتها لحد هذه اللحظة)، معلناً: (ثمة أصوات جديدة لا تحمل أفكاراً وثابة مثلما بدأنا متطلعين الى فضاءات الإبداع.. أجد كريم منصور ومحمد عبد الجبار، جيدين، لكنهما في عالم غير الذي عاشه سعدون جابر وياس خضر وحسين نعمة وفاضل عواد.. افكارهم مغايرة لما نحمل، ولا تطلعاتهم الى المستقبل، مثلما حرصنا عليه من حيث المستقبل أهم الحاضر.. الحاضر حققناه وتربعنا على رأس الهرم، لكن الآتي يجب أن نحسب ماذا نقدم له.. نحسب ما سيقوله التاريخ عنا، وإلا فأصوات جميلة جديدة كثيرة، لكن من ذا الذي يعي تدفق الجمال من صوته الى الناس والتاريخ، لكن تلك الأصوات تتناقض من الماضي الى الحاضر).

وذكر جابر( تعلمنا الثقافة من اليسار، برغم عدم إنتمائي له، لكن كل أصدقائي المؤثرين بي كانوا يساريين.. كوكب حمزة وعريان السيد خلف ورياض النعماني ومظفر النواب، هؤلاء لهم تأثر كبير علينا، علمونا الثقافة وطريقها، لكن لم أنتمِ.. لو ما كوكب ماكو سعدون.. في طيور الطايرة وهوى الناس والكنطرة بعيدة ويوم الماشوفك ما أريد عيوني)، مكملاً( أنشأت مسرحاً في حديقة بيتي المطلة على الشط.. نهر دجلة، تساءلت أين نغني الآن، ولم تعد ثمة حفلات عائلية، تحولت النوادي الى تجارة، وجدت الحديقة فارغة؛ فآثرت أن أجيء بجماعتي، وحولتها الى مسرح، وباكورة أعمالنا «حياة مسعود العمارتلي» حولناها من مسلسل الى مسرحية، وكلما هممنا بالعرض يموت واحد.. مرة محسن فرحان ومرة كوكب حمزة، هسة راح نعرض.. ما كو أحد متوفي، لكن طلع إلنا واحد يدعي أنه حفيد مسعود، سنعرضه ريثما تحل المشكلة، والمسرحية تأليف عبد الجبار حسن وتمثيل أماني علاء وهبة سامي ونور محمد وكافي لازم.. إخراج جبار خماط). مكملاً( بالنسبة للدكتوراه، كان المفروض أنجزها من العام 1989 الى 1991 في المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة، عن أغاني المرأة العراقية، حيث وجدت أن أجمل ما غنته المرأة هو مناغاة الطفل في المهد.. تخرج الروح مو الصوت من داخلها، وتنفذ به الى أذن الطفل العزيز، وربما تنتظر لتعيش حياة أخرى لطفلها، فغناء المهد أصدق نوع من أغاني المرأة وصل الى الناس، وإكتشفت أن الـ»دللول» والمهد، اللتين سمعتهما قبل ستين عاماً من وحيدة خليل أن هناك عشرين نوعاً من الـ»دللول» والى جانبه أنواع من المناغاة مثل «صفاكة البابا» هذه اغانٍ لم نكن نسمعها لا من الوالدة، عرفناها بعد الـ»دللول» و»حيدو والله حيدو» أي وحيداً باللهجة الموصلية  و»تاتي تواتي» و»توتيه يمه إحبيبه» كلها اغاني نحن لم نسمعها).

               الغناء للنفس

وأضاف جابر:( أشعر أنني أغني لنفسي، في «الكنطرة بعيدة» هذه أناي؛ لأن الكنطرة بعيدة وستبقى بعيدة مهما مشينا.. عمراً وعمرين إليها، ولن نصل أبداً.. أمشي وأكول إوصلت والكنطرة بعيدة، حدر التراجي برد والكنطرة بعيدة، ولن نلحق، وإذا وصلنا النهاية فلا قيمة لما قطعنا من شوط؛ لذلك يجب أن نبقى سائرين، أجمل الهواجس هي التي لا يمكن الوصول إليها وأجمل الأغاني تلك التي لم تاتِ بعد، متابعاً: هاجسي في النجاح مدري شنهي ما شنهي، ربما الصوت الجميل أو الذكاء أو الحظ أو المال أو ولا واحدة من تلك الصفات كلها، إنما يوماً إلتقيت رجلاً ينفض عباءته بعصبية، فسألته عن بيت كريم العراقي، فرد علي: ما أدري شنهي ما شنهي، وبقيت الجملة عالقة في ذاكرتي، كسبب مبرر للشؤون اللا مسماة، لقد أعطاني حلاً من دون قول كلمة واضحة.. محددة، فنحن فنانون مدري شنهي ما شنهي.. لا خططنا لحياتنا ولا نعرف نخطط، لكن تعلمنا متمسكين بالدراسة، الى أن وصلنا مستوى من الشهرة حالياً، أكثر من السابق، عندما أدخل مكاناً ما أحظى بإحترام كبير، فحين كان البث التلفزيوني من بغداد، لا يصل الرمادي ولا الكوت، إستطعت الوصول الى أقصى العالم، ومن دون أن أدري شنهي ما شنهي! قدر رباني إرتقى بخطواتنا).

وأشار شمعة السبعينيات الى أن(أغنية «لوه ولول ولوه» من صميم العمارة، ما توقعت سيتنبه لها الجمهور، وضعتها لإكمال عدد الأغاني في شريط الكاسيت، وإذا بها تنتشر عربياً ويطرب لها العشاق وإكتسحت الأغاني الأخرى، و»جتني الصبح وإعيونها ذبلانه» غنيتها قبل ثلاثين عاماً، الآن بدأت تنتشر)، مبيناً(وأغنية «إحنا خلانا وكتنا تراب بحلوك الرحي» أعرف أنها ذات معنى عميق، لكن الحكومة نسبتها الى الشيوعية، ومنعت وطورد شاعرها عريان السيد خلف، ومنع ملحنها محمد جواد أموري، من دخول الإذاعة بسببها، لكنها بقيت أغنية نابضة في ضمائر الناس).

وأوضح(أنا مجس نفسي في إستشفاف المستقبل، الغنية التي تؤثر بي أعرف أنها ستؤثر في الناس، أجد شيئاً من النص في نفسي، أغني روحي وأجدني في النص، فما في داخلي هو مقياسي لأثر الأغنية على الآخرين، مواصلاً: لا أجيد التعامل مع التقنيات الحديثة، برغم تخرجي في خمس جامعات، وجديدي: بساتين البنفسج، كلمات رياض النعماني وألحان كوكب حمزة، سجلتها في الشام قبل عشرين عاماً والآن سأعيدها، ومسرحية مسعود العمارتلي).


مشاهدات 172
أضيف 2025/03/11 - 1:24 PM
آخر تحديث 2025/03/15 - 7:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 402 الشهر 7766 الكلي 10568715
الوقت الآن
السبت 2025/3/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير