الإسلام دين السلام: رسالة التسامح والحوار في سيرة النبي والأئمة
عبدالمهدي الشيخ صالح المظفر
في عالم تتصارع فيه الأيديولوجيات، وتتصاعد نبرة العنف والصراع، تبرز تعاليم الإسلام كمنارة للسلام والتسامح، مؤكدة أن "الإسلام والسلام صنوان لا يفترقان". ليست هذه مجرد شعارات، بل هي مبادئ تجسدت في سيرة النبي محمد ﷺ، وفي أقوال وأفعال أئمة أهل البيت، كالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، التي حفظتها كتب السيرة النبوية ونهج البلاغة. فالإسلام، بوصفه "دين الدليل"، يدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، ويرفض الإكراه في الدين، ويؤسس لعلاقة إنسانية تقوم على الاحترام المتبادل، مهما اختلفت العقائد أو الأفكار.
*الرسول ﷺ: رجل السلام الأول*
جسّد النبي محمد ﷺ مبدأ السلام في كل مراحل دعوته، حتى في أحلك الظروف. فمع أن قريشاً آذته وأصحابه، لم يرد عليهم إلا بالدعوة إلى الحوار، قائلاً: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». وفي صلح الحديبية، قدم النبي نموذجاً فريداً لتحويل الصراع إلى تفاهم، حين قبل شروطاً اعتبرها بعض الصحابة مجحفة، ليؤكد أن السلام ليس ضعفاً، بل هو قوة أخلاقية تفتح أبواب القلوب. كما أمر ﷺ بعدم إجبار الأسرى على اعتناق الإسلام بعد معركة بدر، وعلّم المسلمين أن الحرية الدينية حق مقدس، مصداقاً لقوله تعالى: *﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾* (البقرة: 256).
*من نهج البلاغة: الأخوة الإنسانية فوق الاختلاف*
امتدت رسالة السلام إلى مدرسة أهل البيت، فجاءت كلمات الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة لترسّخ مبدأ المساواة بين البشر، إذ قال: «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق». وهذه العبارة تُلخّص رؤية الإسلام للعلاقة مع الآخر: فإما أن تجمعه بك أخوة الإيمان، أو تُجبرك أخلاق الإسلام على أن ترى فيه إنساناً يستحق الكرامة، حتى لو اختلف معك. وقد طبّق الإمام علي هذا المبدأ عملياً حين عامل غير المسلمين بالعدل حين تولى الخلافة، قائلاً: «اشعر قلبك الرحمة للرعية».
*الدين المعاملة: الحوار بديلاً عن الصراع*
لم يكتف الإسلام بتحريم القتل بسبب الاختلاف الفكري أو الديني، بل حوّل هذا التحريم إلى أسلوب حياة. فالمسلم مُطالب بأن يدعو إلى ربه «بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، وأن يُجادل بالتي هي أحسن، حتى مع من يختلف معه جذرياً. وهذا ما أكده النبي ﷺ في حديثه: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف». وهنا يظهر الفرق الجوهري بين الإسلام كدين سماوي، وبين الممارسات الخاطئة لبعض المنتسبين إليه، التي تشوّه صورته كدين سلام.
*خاتمة: نحو عالم يتعايش فيه المختلفون*
إن الرسالة الأهم التي يوجهها الإسلام للعالم اليوم هي أن الاختلاف في الرأي والدين لا يُبرر الكراهية، وأن الإيمان الحقيقي لا يُبنى إلا على حرية الاختيار. فكما قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم». فسلام الإسلام ليس كلاماً يُتلى، بل هو عدل يُطبَّق، وأخلاق تُعاش، وحوار لا ينقطع. ولعل في إحياء هذه القيم النبيلة ما يجعل الإسلام صوتاً يُسمع في زمن الضجيج، داعياً إلى جسر الهُوَّة بين الحضارات، بدلاً من تعميقها.