إستراتيجية النهوض بالخدمات تلامس حياة الناس
تحقيق ولاء للقيادة ومحبّة للوطن
أحمد فكاك البدراني
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم العربي والعالم بأسره ، أصبحت الحاجة إلى تعزيز علاقات الدولة مع مواطنيها أكثر أهمية من أي وقت مضى .. في هذا السياق ، تبرز استراتيجية تبني الخدمات الملامسة لحياة الناس على أنها حجر الزاوية لبناء وطنٍ قادر على مواجهة التحديات وتحقيق الازدهار. يترسخ هذا المفهوم عندما يتم الاهتمام بتقديم خدمات ترتبط بشكل مباشر بحياة الأفراد اليومية ، مما يساهم في خلق بيئة تتيح للناس الشعور بالأمان والراحة والعدالة.
إن هذه الاستراتيجية ، التي تركز على الاهتمام بالاحتياجات الأساسية للمواطنين وتلبية تطلعاتهم ، لا تعني فقط تحسين الخدمات العامة ولكن أيضاً تعزيز الولاء الوطني وتعميق العلاقات بين القيادة والشعب.
فالمواطن الذي يشعر بأن دولته تهتم به وبحياته الشخصية على جميع الأصعدة لا شك أنه سيكون أكثر انتماءً وولاءً لهذه القيادة ولن يقتصر ذلك على المستوى الفردي فقط بل سيمتد إلى مستوى المجتمع بأسره.
أهمية الخدمات الملامسة لحياة الناس :
تعد الخدمات الملامسة لحياة الناس هي تلك التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية مثل الرعاية الصحية ، التعليم ، النقل العام ، السكن ، والبنية التحتية الأساسية. عندما تكون هذه الخدمات متاحة بكفاءة وجودة ، تزداد جودة حياة المواطن ويشعر بالراحة والاطمئنان ، مما يعزز من شعوره بالانتماء إلى وطنه. على العكس من ذلك ، عندما تكون هذه الخدمات ضعيفة أو غير فعالة ، يؤدي ذلك إلى استياء المواطنين ويزيد من شعورهم بالعزلة أو القلق بشأن مستقبلهم.
على سبيل المثال ، عندما يتم تحسين الرعاية الصحية بحيث تصبح متاحة بسهولة وبأسعار معقولة ، يشعر المواطن بالأمان الصحي ، ويُسهم ذلك في تعزيز ثقته في النظام الصحي وفي القيادة السياسية. إذا كانت هناك استجابة سريعة وفعالة من الحكومة للتحديات التي يواجهها المواطنون ، سواء كانت طارئة أو متعلقة بالجوانب اليومية ، فإن ذلك يعزز بشكل كبير من ولاء المواطن ويقوي علاقة المواطن بالدولة.
دور النهوض بالبنية التحتية في بناء المدن الحديثة :
من الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية هو الاهتمام بالبنية التحتية الحضرية ، والتي تشمل الطرق ، والمواصلات العامة ، والمرافق العامة مثل المدارس والمستشفيات، وشبكات المياه والكهرباء. يعد توفير بيئة حضرية ملائمة ومتطورة من العوامل التي تشجع على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل المدينة مكاناً جذاباً للعيش والعمل وهذا يقود الى الراحة ثم الى الإبداع كما تقول الحكمة القديمة ( العقل السليم في الجسم السليم .
ومن جانب آخر فالنهوض بالبنية التحتية يساهم أيضاً في تحقيق المساواة بين المواطنين ، حيث يوفر الفرص المتساوية للجميع للوصول إلى نفس الخدمات. وهذا يشعر المواطنين بأنهم جزء من تطور الوطن وأنه لا يتم تفضيل فئة على أخرى. فضلا عن ذلك ، فإن تحسين الخدمات في المدن يؤدي إلى تحسين جودة الحياة على المدى الطويل ، مما يعزز الولاء للقيادة والرغبة في الإسهام في تطور المجتمع.
القيادة والمواطن ..علاقة تبادلية :
العلاقة بين القيادة والشعب لا تقتصر على القرارات السياسية الكبرى فقط ، بل تشمل أيضاً القرارات التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين.
عندما ترى الشعوب أن القيادة لا تكتفي بتحقيق الإنجازات الكبرى ، بل تعمل على تحسين حياتهم اليومية بشكل ملموس ، يزداد ارتباطهم بقيادتهم حفظا على اوضاعهم وأملا بمكاسب اخرى قد تتحقق ، فضلا عن الشعور بالحرص على كرامة الإنسان في وطنه والتي تشكل جزءً مهماً من ثقافة المجتمع .
من هنا تأتي أهمية تبني سياسة مفتوحة وشفافة مع المواطنين ، تتسم بالاستماع إلى احتياجاتهم والعمل على تلبيتها. فعلى سبيل المثال ، يمكن للقيادة أن تشجع على المساهمة الفعالة للمواطنين في التخطيط لمستقبل المدن عبر منصات تفاعلية أو لقاءات عامة ، مما يتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم ورغباتهم بشكل مباشر.
تعزيز الولاء وحب الوطن :
إن الاستثمار في حياة المواطنين من خلال تطوير الخدمات ورفع مستوى المعيشة يعزز من الولاء الوطني ، إذ يشعر المواطن أن الدولة تقدّر جهده وتعمل على تلبية احتياجاته. يشعر المواطن بأنه جزء من هذا الكيان المتطور والمتقدم ، وأنه يساهم في بناء مستقبل مشترك مع باقي أبناء الوطن. هذا لا يقتصر على تقديم الخدمات الأساسية فقط ، بل يشمل أيضاً الاهتمام بالأبعاد الثقافية والاجتماعية التي تربط المواطنين بهويتهم الوطنية.
عندما تكون الخدمات الموجهة إلى المواطن جزءاً من خطة شاملة للنهوض بالوطن ، يكون المواطن أكثر استعداداً لتقديم الدعم الكامل للقيادة والنظام ، والذود عن الوطن بكل ما أوتي من قوة. في هذا الإطار ، لا تقتصر المحبة على العواطف أو الشعارات ، بل تتجسد في فعل واقعي يظهر في التزام المواطن بتطوير وطنه والعمل على ازدهاره ، ومن يرتقي دور المواطن ليبرز كعنصر نظافة حريص على البيئة التي يعيش بها ، فلا يسمح لاحد بالإساءة لها ، فتأتيها النظافة والتنظيم مع جهد حكومي متواضع ، وكذلك يبرز دور المواطن عنصرا استخباراتياً ومدافعا شرسا عن سيادة بلده الذي ينتمي أليه ، وهكذا تبنى ثقافات الشعوب الوطنية .
وخلاصة الكلام هنا ، يمكن القول بكل تأكيد ان استراتيجية تبني الخدمات الملامسة لحياة الناس والاهتمام بها عن كثب ، والنهوض ببناء المدن ، والتربية والتعليم ، وتامين صحة المواطن ، كل هذا ، من الأدوات الاستراتيجية الضرورية لتعزيز الولاء الوطني والمحبة للقيادة. من خلال تقديم خدمات جيدة ومستدامة في جميع المجالات التي تهم حياة المواطنين اليومية ، يتم بناء علاقات متينة بين الدولة والشعب. هذه العلاقة القائمة على الثقة المتبادلة والاهتمام المشترك تحقق تطوراً مستداماً للوطن ، وتعزز من مكانته بين الأمم.
وزير الثقافة والسياحة والآثار