الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إستراتيجية الإعتماد على جهة واحدة.. بدايات مغرية وخذلان لاحق

بواسطة azzaman

إستراتيجية الإعتماد على جهة واحدة.. بدايات مغرية وخذلان لاحق

احمد فكاك البدراني

 

الاعتماد على جهة واحدة في العلاقات، سواء على المستوى الفردي ، الموسسي او الدولي، هو نوع من الخيارات الاستراتيجية التي قد تبـــــــدو في البداية كحل بسيط وفعال ، لكنه في كثير من الاحيان يحمل في طياته العديد من المخاطر والتحديات التي تظهر على المدى الطويل . يمكن ان نقول ان هذه الاستراتيجية هي كالقيد الذي تضعه في معصمك بمحض ارادتك ، ولكنك ستدفع ثمنه لاحقًا ، اذ لا تكتمل العلاقة الا بتوازن وفهم للتحديات التي قد تطرا بسبب هذا الاعتماد الاحادي.

1. الاعتماد على جهة واحدة على مستوى الفرد ..

في العلاقات الشخصية ، قد يلجا الفرد احيانًا للاعتماد الكامل على شخص واحد ، سواء كان شريكًا في العمل او صديقًا او حتى فردًا من العايلة. في البداية ، قد يكون هذا الاعتماد مصدرًا للامان النفسي والاستقرار العاطفي ، حيث يشعر الشخص انه يملك شخصًا واحدًا يعتمد عليه بشكل كامل. ولكن مع مرور الوقت ، تظهر السلبيات ، ومنها:

فقدان الاستقلالية:

الاعتماد على شخص واحد قد يجعل الفرد يفقد جزءً من استقلاليته وقراراته الشخصية . ومع مرور الزمن ، قد يجد نفسه اسيرًا لهذا الشخص ، مما يقلل من قدرته على اتخاذ قراراته الخاصة.

التعرض للخذلان:

في حال حدوث خلافات او تضارب مصالح او مفاجات غير متوقعة مع الشخص المعتمد عليه ، يشعر الفرد بخيبة الامل والخذلان ، فسرعان ما يتحول الى خصم او يتخلى عن الاخر في وسط الطريق، مما يترك اثرًا نفسيًا عميقًا.

العزلة الاجتماعية:

 في حال كان الفرد يعتمد على شخص واحد فقط ، قد يتسبب ذلك في تقليص دايرة علاقاته الاجتماعية ، فجسور العلاقات مع الاخرين ليس ممتدة ، مما يودي الى عزلة قد تضر بتطوره الشخصي والاجتماعي ، وقد تحمله تبعات علاقاته المنفرده وزير الجهة الاخرى فيدفع ثمنا ليس له فيه ذنب .

تحول العلاقة الايجابية الى سلبية:

وقد تتحول العلاقة تلك الى علاقة سلبية بسبب تضارب المصالح او غياب الايثار بين الطرفين مما يودي الى التعسف وجور العلاقة ، لاسيما على الطرف الاول محدود العلاقات ، وقد يجعله عرضة للتشهير ، او حتى للتنكيل ، على اعتبار انه لا يملك علاقات متعدد توضح الحقايق او تحدث التوازن الاجتماعي على مستوى العلاقات الانسانية .

2. الاعتماد على جهة واحدة على مستوى الموسسة :

عند الحديث عن الموسسات، نجد ان استراتيجية الاعتماد على مورد واحد او شريك واحد قد تودي الى بعض الفوايد على المدى القصير ، مثل تبسيط الاجراءات وتقليل التكاليف ، لكن هذه الاستراتيجية تاتي مع العديد من المخاطر على المدى الطويل ، ونوجز ابرزها :

 • الاحتكار والتعطيل:

الموسسات التي تعتمد على مورد واحد في انتاج او تقديم خدمات قد تجد نفسها في حالة من الفوضى اذا توقف هذا المورد عن توفير احتياجاتها بسبب ازمة او خلاف ما او ارتفاع التكاليف ، وقد يودي ذلك الى تعطيل الاعمال بشكل كامل ، مما يوثر على سمعة الموسسة وربحيتها.

فقدان التنوع :

الاعتماد على جهة واحدة يمكن ان يحد من التنوع في الافكار والابتكار . الموسسات التي تقتصر على شريك واحد قد تواجه صعوبة في التكيف مع التغيرات السريعة في سوق العمل وكم او مع الابتكارات التي يتقدم بها الاخرون.

المخاطر القانونية :

الاعتماد على جهة واحدة قد يزيد من المخاطر القانونية في حال حدوث نزاع بين الاطراف او اذا حدث اي نوع من التلاعب او الفساد. في مثل هذه الحالات ، قد تجد الموسسة نفسها في موقف ضعف ، مما يوثر على استقرارها ، وقد تعرضها الى خساير كبيره ان لم نقل تذهب براس مالها.

3. الاعتماد على جهة واحدة على مستوى الدول ..

عند النظر الى العلاقات بين الدول ، تظهر استراتيجية الاعتماد على جهة واحدة بشكل اكثر تعقيدًا ، حيث تعتمد بعض الدول على شريك واحد في مجالات مثل التجارة ، الطاقة ، او الدفاع. في البداية ، قد يكون هذا التعاون مربحًا ويسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني او القوة العسكرية ، لكن الاثار طويلة المدى قد تكون ضارة ، بل قد تكون خطيرة ويمكن ان نوضحها بايجاز ..

 • المخاطر الجيوسياسية :

في حال حدثت توترات سياسية او اقتصادية مع الجهة التي تعتمد عليها الدولة ، قد تجد هذه الاخيرة نفسها في موقف ضعيف ، حيث يمكن ان يتاثر امنها القومي واقتصادها بشكل كبير. على سبيل المثال ، الدول التي تعتمد بشكل كبير على مصدر واحد للطاقة قد تواجه ازمات طاقة خطيرة في حال تعرض هذا المصدر لازمة او نقص ، كما حدث لبعض الدول الاوربية باعتمادات على الغاز الروسي وتاثرها بالحرب الروسية - الاوكرانية ، فقد كلفة الدولة والموسسات والافراد ، ودفعوا ثمن ذلك الاعتماد بشكل مباشر .

التهديدات الاقتصادية:

الاعتماد على سوق واحد او شريك تجاري واحد يمكن ان يجعل الاقتصاد الوطني عرضة للتقلبات الاقتصادية في هذا السوق. اي تراجع في هذه الجهة يمكن ان يودي الى ازمة اقتصادية قد توثر على البلاد باكملها.

التدخلات السياسية:

 الدول التي تعتمد على جهة واحدة قد تجد نفسها في موقع ضعف سياسي ، حيث يمكن ان تتم ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية عليها. في بعض الاحيان ، قد يتم استخدام هذه العلاقة كوسيلة للتاثير على السياسات الداخلية او الخارجية للدولة المعتمدة ، وقد تجعل منها تبعية .

4. وهناك سوال يطرح نفسه.. لماذا نقع في فخ الاعتماد على جهة واحدة

 في بعض الاحيان، قد يكون الاعتماد على جهة واحدة مغريًا للغاية بسبب تسهيل المعاملات والحد من التعقيدات. على سبيل المثال ، قد يُنظر الى الشراكات الموثوقة او العلاقات الشخصية القوية على انها اساسية لتحقيق الامان والاستقرار . لكن ، من المهم ان نتذكر ان هذا الاعتماد ينطوي على مخاطر كبيرة ، ويجب ان يتم التعامل معه بحذر ، وباستراتيجية مرنة تتيح التكيف مع التغيرات.

لا شك بان الحياة تكون اكثر استقرارًا عندما يكون لدينا شبكة من العلاقات التي تتنوع فيها الجهات والاطراف.

تعد القدرة على التنويع والتكيف مع التحديات والمخاطر من اهم سمات الاشخاص، الموسسات، والدول الناجحة.

وهنا يمكن ان نقول ان التوازن هو مفتاح النجاح في اي علاقة، سواء على مستوى الفرد او الموسسة او الدولة. تنويع العلاقات والمصادر يساهم في تقليل المخاطر ، ويوفر فرصًا اكبر للتكيف مع التغيرات والظروف المختلفة. عندما نتجنب الاعتماد على جهة واحدة فقط ، نكون اكثر قدرة على التكيف مع اي تحديات قد تطرا ، وبالتالي نقلل من احتمالية التعرض للخذلان.

العبرة بالنتايج ، هي ما يجعلنا نعيد التفكير في العلاقة الاحادية. قد تكون البداية مغرية ، لكن النتايج غالبًا ما تكون مفاجية ومولمة اذا لم ناخذ بعين الاعتبار ضرورة التنوع والتعدد في الخيارات.

 وزير الثقافة والسياحة والاثار


مشاهدات 113
الكاتب احمد فكاك البدراني
أضيف 2025/03/01 - 5:09 AM
آخر تحديث 2025/03/04 - 9:55 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 516 الشهر 2122 الكلي 10463071
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/3/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير