إرنست همنغواي.. الجيل المفقود في الرواية العالمية
عصام البرام
إرنست همنغواي كاتب أمريكي ، وُلد في 21 يوليو 1899، وتوفي في 2 يوليو 1961، يُعد واحدًا من أهم كتّاب القرن العشرين، فاز بجائزة نوبل في الأدب عام 1954، كتب رواياته خلال النصف الأول من القرن العشرين، وأثرت العديد من أعماله في الأدب العالمي، يعده العديد من الكتّاب الأمريكيين في وصفه؛ بأنه أحد ممثلي الجيل المفقود، وكذلك بعض النقاد أنه جزءًا من ذلك الجيل، وهي تسمية أستخدمت لوصف مجموعة من الكتّاب والشعراء الأمريكيين الذين نشروا أعمالهم في الفترة ما بين الحربين العالميتين (الأولى والثانية) ويعدونهم فقدانًا جزئيًا للجيل الذي قُتل في الحرب العالمية الأولى أو تأثروا بها بشكل كبير.
لذا فأن همنغواي جزءًا من هذا الجيل بسبب عمله الأدبي الذي اشتهر به في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكان له تأثير كبير على الأدب الأمريكي والعالمي، فرواياته وقصصه القصيرة تعكس تجارب الجيل المفقود، وتتناول مواضيع مثل الحرب والموت والوحدة والرومانسية بطريقة مباشرة وصادقة..
مع ذلك، فإن بعض النقاد يميلون إلى وضع همنغواي في فئة مختلفة أو ينظرون إليه على أنه جزء من تيار أدبي مختلف، وذلك بناءً على تحليلاتهم الخاصة لأسلوبه الكتابي ومواضيعه المفضلة، وعلى الرغم من تصنيف همنغواي كجزء من الجيل المفقود للرواية العالمية، إلا إن بعض النقاد؛ يرى أنه يستحق تصنيفًا مختلفًا أو أنه ليس بالضرورة يمثل تمامًا، السمات المميزة لهذا الجيل.
تميزت أعمال همنغواي بلغته البسيطة والمباشرة، وأسلوبه الذي يشدد على الوصف الواقعي والتعبير عن الحياة بشكل مباشر وصادق، ومن بين أشهر أعماله الروائية (في وقت الحصاد) (The Sun Also Rises) و(وداعًا للسلاح (A Farewell to Arms و)الشيخ والبحر( (The Old Man and the Sea) الذي فاز بجائزتي بوليتزر وجائزة نوبل.
لقد عرف همنغواي أيضًا بحياته المليئة بالمغامرات وتجاربه كمراسل حرب، حيث شارك في العديد من النزاعات الكبيرة كالحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الإسبانية، فضلاً عن تأثر أعماله الروائية بتجاربه الشخصية، وأشارته إلى مفهوم (الرجولة) والمصاعب البشرية في أغلب كتاباته التي أخذته للعالمية.
أسلوب الكتابة
يتمثل أسلوب همنغواي بكتابة فريدة ومميزة، تتسم بالبساطة والوضوح، حيث يعتمد على مبادئ أدب الواقعية والطابع الوثائقي في كتابته، وقد صاغ أسلوباً يتسم بالأقتصاد والتركيز على التفاصيل الحيوية والحقائق البسيطة، وربما هذا يعود الى أسباب كثيرة؛ منها عمله في الصحافة والحرب التي طبعت على أسلوبه وصياغة خياله للكتابة الروائية، أضافة لما يتمتع من بعض سمات أسلوب الكتابة الشخصية لديه، فقد كان همنغواي يتجنب الزخرفة الزائدة، ويفضل استخدام كلمات قليلة، وصور بسيطة للتعبير عن الأفكار، بالاضافة الى استخدام جملًا قصيرة وفعّالة، دون تعقيد أو غير الضرورية، كي لا يسبغ جملته بالترهل، فضلاً عن تجنب الإبتعاد عن ثيمة النص فيرهقه.
تتسم لغة همنغواي التي يوظفها برواياته، بأنها لغة عادية وشائعة، يتجنب فيها استخدام الألفاظ المعقدة أو العبارات الصعبة، وقد وصفه الكاتب الأمريكي ديفيد هيوم؛ إن أسلوب همنغواي في الكتابة يشكل محط إهتمام كبير بين الكتّاب والقرّاء، وقد ترك أثرًا عميقًا في تطور الأدب الأمريكي والعالمي. فهو يُعطي أهمية كبيرة للتفاصيل الصغيرة والحيوية التي تعزز الواقعية وتجعل القارئ يشعر بالتفاعل مع الرواية بدون إسفاف، كما أهتم بالوصف الدقيق للمشاهد والأحداث، مما يشد من القراءة والتتابع صعوداً هارمونياً للأحداث، وبنسق متوازن، فالقاريء يجد إن إستخدام همنغواي للحوارات والوصف بشكل يتيح له (أي القاريء) فهم المشاعر والعواطف دون الحاجة إلى التعبير المباشر عنها من قبل الكاتب، وهنا يكمن فن القص والبناء، وكيفية التعامل مع أبطال الرواية التي يحوك بناءها الكاتب الواعي لتفاصيل رواياته، لتصل الى مستوى التفاعل مع القارئ.
إن أغلب ما كتبه في رواياته تشكل مرآة للحياة الواقعية، حيث كان يستلهم قصصه من تجاربه الشخصية وتجارب المجتمعات التي عاش فيها، كما آستخدم همنغواي في رواياته التشبيهات والرموز بشكل حذر وبسيط، لنقل المعاني والرؤى، من خلال نظرة واعية يعي ما يكتبه في تفاصيل الصراع أو البناء الروائي.
يسعى همنغواي دوماً، الى تجنب التعبير بشكل مباشر عن آرائه الشخصية، ويسعى للأبتعاد عنها، إذ يترك للقارئ الحُكم والأستنتاج بناءً على الأحداث والشخصيات، وبتعبير آخر فهو يسعى الى تكثيف آرآئه دون إشعار القارئ أنه يقرأ لمذكرات كاتب عن سيرته الذاتية، ومن ثم سيبعده عن قيمة الفن والدهشة والمتعة في قراءة رواية وليست سيرة ذاتية.
الأبعاد النفسية
تمحورت الدراسات والتحليلات حول شخصيته وأسلوبه الأدبي في جوانب عدة، فهمنغواي كان يعتني بتصوير الوعي الوجداني للشخصيات في أعماله، ويركز على التجارب الحياتية واللحظات الحاسمة التي تشكل الشخصية. كما يُعد أحد أبرز كتّاب الرجولة أو القوة في الأدب الأمريكي، إذ يظهر ذلك من خلال تصويره للبطل القوي الذي يواجه التحديات بشجاعة، ويقدم همنغواي صوراً للرجولة والشجاعة، ويركز على القوة والإرادة في مواجهة التحديات والصعاب.
لذا نجد إستخدمه أسلوبًا لغويًا بسيطًا ومباشرًا، يعتمد على الكلمات القليلة والواضحة، هذا الأسلوب يعزز التواصل المباشر مع المتلقي، أضافة الى أسلوبه الذي يتسم بالبساطة والاقتصاد اللغوي، من حيث أنه يستخدم كلمات قليلة لنقل الفهم العميق والمشاعر الأنسانية بشفافية، مخاطباً الوجدان الأنساني في معترك الحياة.
لقد تكررت موضوعات المغامرة والرحلات في روايات همنغواي، حيث يستخدمها لإستكشاف الطبيعة البشرية في ظروف محددة، تلك الظروف التي تحمل طابع الصراع والتحدي مع ظروف الحياة القاسية، وكيف ينبغي للإنسان السعي لمواجهتها ومحاولة فرض إرادته مهما بلغت به الظروف أو المواقف، دون أن يتراجع عن مبادئه التي يؤمن بها، إذن همغواي يتميز أسلوبه بالإقتصار والتركيز على التفاصيل الهامة، فهو يعتمد على التفاصيل الوصفية لخلق صور واقعية، في كتابة رواياته.
فهو يتناول تأثير الحروب على النفس البشرية، وقدم صورًا واقعية لحياة الجنود وآثار الحروب، ومدى إنعكاساتها السلبية في بناء شخصية الفرد، أو الدمار الاقتصادي وغيره، حتى تجده يبرز التفاعلات البينية والعلاقات الإنسانية في أعماله، وكيف يؤثر الآخرون في تشكيل هوية الشخصيات، والتفاعل فيما بينهم والوصف الدقيق للتفاصيل التي يرسمها لنا في ثيمة النص، ويعكس هذا نظرته الواقعية للحياة والإنسان، كما يظهر في رواياته اهتماماً بمفهوم المصير المشترك والحياة الجماعية، فهو يشير إلى أن الأفراد يشاركون في تجارب ومحن مشتركة، حيث يعتمد في رواياته على استخدام الرموز والرمزية لنقل المعاني دون الإغراق في رمزيته، إذ يمكن أن تكون الأحداث والشخصيات رموزاً لشخصيات ولمفاهيم أو أفكار أعمق يستخدمها همنغواي كهياكل سردية متقدمة، مع التركيز على دقائق التفاصيل الحياتية واللحظات الحاسمة.
لقد سعى دائماً للإشارة في بعض أعماله إلى أهمية الصمت وعدم القول للتعبيرعن المشاعر، ويترك الأمور غالباً دون قول مباشر، مما يجعل القارئ يستنتج المعاني، حيث يتميز بتركيزه القوي على التفاصيل الحسية والوصف الدرامي العالي، مما يعزز تجسيد البيئة والأحداث التي يمنحها بعداً في التحدي للمصاعب.
في المجمل، تجمع روايات همنغواي بين البعد الفلسفي والفني، وهو يعبر عن رؤية واقعية للحياة من خلال أسلوبه اللغوي البسيط، والتركيز على تفاصيل الحياة والتجارب الإنسانية، وإحياء أدبه الروائي كجيل معاصر بدلاً من أن يكون من الجيل المفقود.