نقطة ضوء
عن (غيرة النت) وذبابها المتراكم؟
محمد صاحب سلطان
بعضهم يشبه (الغيرة) مثل سعار عنيف يصيب الأسنان، فيتألم صاحبه ويهيج، وآخر يراها مثل عربة خضار تحمل كل شئ،فيما آخر يراها،تنور خرافي يحرق الأخضر واليابس، بينما الرابع يجد فيها متعة تحفزه على التسلح بسوط الحقد والنميمة!،يستخدمه لا شعوريا في كل الاتجاهات ،فيصيب الصداقة بمقتل،ويجرح الأخوة ويلسع جلد محبيه، فترى المرء لا يستقر على حال، يعض باصابعه ويتلاوى بلسانه، وحروف رسائل هاتفه لا تكل ولا تمل، يعلق على الهواء الطائر كما يقال!
فيما آخرون يجدون في الغيرة، ملمح ايجابي،كونها تحفز على الاقتداء الحسن لمن يغارون منه، ويحاولون بشتى طرق الاجتهاد للوصول الى كشف سر ماهو عليه من نجاح وشهرة، فيبدأون في التلصلص على حياته، ومتابعة كل ما ينشر عنه، يراقبون حركاته وهمساته ونظراته، ويقلدون سلوكه وضحكاته، أكله وشربه،ومقياس ملابسه وألوان احذيته و(طبرة) حاجبه، والعلامة الفارقة بوجهه،حتى بات الأمر بفضل التطور التقني الطبي ،سهلا في تغيير الملامح، عيونا وانوفا وغمازات وباقي الحاجات!، وهذا الأمر شمل الرجال والنساء، بل حتى الأطفال لم يسلموا من هذا التغول،كونهم تربة خصبة للتقليد والتشبه، ابتداءا من شخوص الكارتون صعودا الى ما يدخره (اللآيباد) من بلاوي وملهاة وألعاب ومسابقات،تستقطبهم، فاضحوا يصبحون ويمسون عليه حتى باتت لهم لغة خاصة من المصطلحات والمفردات ،بما فيها عادات الأكل!، وعندما تتحدث اليهم ،تجد نفسك في واد وهم في آخر، وتشعر إن لا روابط حضرية ولا وشائج زمنية، تربطكم ببعض، فلهم قدوتهم وفارس أمجادهم غير قدوتك وما تؤمن به،حتى يجعلوك تهلوس بألغاز لا جواب لها!، وهنا يتجدد الصراع ، أليس من حق الأب أن يربي أولاده وأن يطرد بعوضة (النت) التي تجرأت ووقفت على أرنبة أنف أحبابه بطلقة الاختفاء (دليد)!، مثل حصان ينتفض من الذباب الذي تراكم عليه!، فالاساءة في استخدام تلك الأجهزة، تعجل في التقليل من الثقة بالنفس والتحكم وخلق إحساس بالعجز والضعف،فضلا عن العزل الاجتماعي والارباك العقلي والعاطفي المرتبط بالخوف، والمطلوب إستسلامك وخضوعك وقبولك وانت في قمة الرضا ،تفتح عقلك أولا ثم تفتح جيبك وقيمك لمغرياتهم ثانية، لإن الصناع يطبقون مبدأ (احتلال العقل يبدء من إحتلال اللغة)، وهذا هو ديدنهم، في استغلال اللغة ومزج الحقيقة بالاكاذيب، حتى أضحت تلك الأجهزة والمواقع مرتعا لتفجير (الغيرة) السلبية وتنمية العجز الذاتي، من خلال تقبل التسميات الساخرة، فباتت سلوكياتهم ضحية لتلك التوجهات والثقافات الغريبة التي تنعكس آثارها السيئة بالفعل على البيئة المجتمعية، وهي تسعى جاهدة للانسحاب من مرض الغيرة السلبية ،لكنها تبحث عن مخرج، يبقي ماء الوجه في أدنى حدوده، معترفين، ان حلوى (الغيرة) في أفواه الطيبين هي الى العلقم أقرب!!.