قصيدة "ساعات الليل الأخيرة" للشاعر مازن جميل المناف
علي البدر
1) القصيدة:
امقتُ اخطائي في وسائل الإقناع
اؤدي فريضة التسول بنبرةٍ قلقة
ساحباً اكمام قميصي الوحيد
حيثما أولي وجهي أرى القطيع في مضمارِ المكرِ والخداع
أنا لا اؤمن بمشاهدِ الضحك
أصورُ أفكاري في دروب الله
ببرهانٍ أعمى
ودمٌ عبق ..
افترسُ احاديثي عند دكاكين الأنبياء
أنا لا اؤمن بحقائق التاريخ
ومزاعم العروبة ..
أراكم كررتم البعثتين
فعلامَ هذا التطرف .. هذا التقزز
عند دعائم الخوف وتمتمات الآلهة
حد العناد
وراء تضاريس الأرق
أواصلُ مع موبقات السبع حتى ساعة الليل الأخيرة
يقضون الوجع بإعدام مؤجل بين ظلال كثيف
وكركرات مترامية
يزعمون أني دخيل
فهل ترضى عروبتكم بهذه الاباطيل ..؟
مصافحاً يد الله في اشد درجات الهلع
اكتفي بهذا القدر من الرقصِ والتصفيق
فنعدي من التهريج ما يكفي
فكل ما املك من نزقٍ سأوزعه على المارقين
فأنا لي نسب عريق ..!!
يغنيهم عن الزوال إلى هذا الدرك
ملتزم بهذا الصمت ما يدفعني إلى ركوبِ الإلحاد
والخطايا التي اسبغها الله
جوعي منزه عن الانانية
لم اعجز يوما ما عن الركض وراء عربات التساؤل ..
ليس هناك ما يستحق التبرير ...
افتشُ عن خصلة شعر امي علًي اكون صعلوكاً او جندياً مرتزقاً
فاقتل بني قومي
يبدو ان سياقَ المشهد ووسائد الأرق لا يليقان بنزفي
هكذا يُكشف النقاب عن مزاعمكم الباطلة ..
أغيثوني.
2) التحليل النقدي:
تتناول قصيدة "ساعات الليل الأخيرة" للشاعر مازن جميل المناف قضايا وجودية وفكرية معقدة ترتبط بالاغتراب alienation، والشك suspect ، والنقد الاجتماعيsocial criticism ، حيث يقدم الشاعر رؤية ذاتية قلقة تجاه الواقع العربي والإسلامي، متخذًا من الليل فضاءً رمزيًا يجسد معاناة الذات وتمزقاتها بين الإيمان والشك، وبين الهوية والانتماء.
تتمحور القصيدة حول صراع داخلي entire conflict بين الذات والواقع المحيط، حيث يعكس الشاعر حالة التمزق النفسي والوجودي The state of psychological and existential fragmentation. من خلال محاور عدة كالإغتراب والشك والنقد الإجتماعي والسياسي وكذلك الصراع مع السلطة الدينية والإجتماعية. ولابأس من التطرق باختصار لهذه المفاصل المهمة:
وبخصوص الإغتراب والشك نلاحظ بحث الشاعر عن الحقيقة وسط عالم مليء بالخداع والمكر، كما في قوله: "أنا لا اؤمن بمشاهدِ الضحك / أصورُ أفكاري في دروب الله ببرهانٍ أعمى." هنا يتجلى الشعور باللايقين uncertainty والقلق الوجودي، حيث يسعى الشاعر للبحث عن معانٍ جديدة لحياته في ظل ضياع الثوابت. أما النقد الاجتماعي والسياسي، يبدو رفضًا صريحًا للمفاهيم القومية والعقائدية التي يرى فيها الشاعر مجرد "مزاعم" و"أباطيل"، مثل قوله: "أنا لا اؤمن بحقائق التاريخ / ومزاعم العروبة.. / أراكم كررتم البعثتين." هذه الأسطر تشير إلى موقف الشاعر الرافض لإعادة إنتاج الأفكار القومية بنفس الأسلوب التقليدي الذي لم يحقق التغيير المنشود.
ويستخدم الشاعر صورًا مجازية metaphorical images تعبر عن استغلال الدين لتحقيق مآرب دنيوية يعكسه الصراع مع السلطة الدينية والاجتماعية ، كما في قوله: "افترسُ احاديثي عند دكاكين الأنبياء." هذه الصورة ترمز إلى المتاجرة بالقيم الدينية واستغلالها.
وتعكس لغة النص واسلوبها وكذلك صورتها الفنية، بنية النص الشعري حيث يعتمد الشاعر على لغة مباشرة تمتزج بالفكر الفلسفي، محملة بدلالات رمزية تعكس عمق المعاناة الشخصية والجماعية، وأيضا استخدام الألفاظ مثل "التسول"، "الأرق"، "الموبقات" التي تضفي على النص أبعادًا نفسية تعكس واقع القلق والتوتر الداخلي. وقد أبدع الشاعر مازن جميل المناف باستخدام صورًا فنية مجازية قوية مثل: "مصافحاً يد الله في أشد درجات الهلع." هذه الصورة تعكس حالة الانكسار والبحث عن الخلاص في لحظة اليأس.
ويظهر النص بصيغته الحرة دون التزامه بقافية محددة، ايقاعا متميزا منح الشاعر حرية في التعبير عن أفكاره المتشظية. كما أن التكرار المستخدم في النص مثل "أنا لا أؤمن" يعزز من الإيقاع الداخلي للنص ويؤكد على معاناة الشاعر المستمرة.
ويتمحور النص على دلالات فكرية تبلورت في التمرد على الواقع Rebellion against reality. ، عندما يعبر الشاعر عن حالة تمردٍ على السائد ورفضٍ للامتثال للمفاهيم التقليدية. والاستمرار في البحث عن هوية، حيث يشعر بأنه "دخيل" على مجتمعه ويرى نفسه غريبًا وسط منظومة فكرية مقيدة. وقد ظهر هذا واضحا في تساؤلاته الفلسفية والوجودية حول الدين، القومية، والانتماء، وهو ما يعكس حالة من التأمل العميق في الذات والواقع.
تقدم قصيدة "ساعات الليل الأخيرة" رؤية نقدية عميقة critical view تتناول القلق الوجودي والاغتراب الفكري alienation في ظل واقع اجتماعي وسياسي متأزم. يتميز النص بثرائه اللغوي وصوره الفنية المكثفة التي تعكس بصدق مشاعر الشاعر المتناقضة بين الأمل واليأس، الإيمان والشك. تبقى القصيدة شهادة على واقع مثقل بالتناقضات، حيث يحاول الشاعر سبر أغوار الذات والواقع بحثًا عن حقيقة مفقودة.
تحياتي والورد
علي البدر Ali Albadr