حمندي في الصقر وأصفاد الريح
عبد العظيم محمد
الحديث عن الشاعر الكبير عبد المنعم حمندي .. شاعر الهم والوجع والتأمل والتمني يأخذنا الى عوالم متعددة تتنوع بين الجمال وعمق اللغة وصفاء المفردة المفعمة بالحزن والألم والتحسس الواعي لعمق الجرح الوطني والعربي على حد سواء .. اضافة الى الصور الناطقة عالية المستوى التي تجعلنا نرحل بوعي الى مكنونات شاعر اهلكه التفكير المعذب لوطن ما زال يبحث عن الفرح حتى في رحم التربة .. وديوانه الأخير الذي اهداني نسخة منه مشكورا الذي حمل عنوان ( الصقر واصفاد الريح ) الذي صدر مؤخرا عن الأتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين هو المنجز الاكثر صدقا في التحسس الى وجع وطنه وتأريخه وارثه الحضاري الذي حاول الأنجاس الغزاة تدمير وطمس الحقائق وبعثرة اوراقه ليعلنوا عن ولادة جسد بلا روح لا ينتمي الى تأريخ العراق وشعبه ففي قصيدته ( من اين ابتدىء الحكاية ؟ ) يقول
نسيت جرحي والتجأت
الى عباب البحر أرسم
صورة الوطن المهشم كالحطب
حطب أنا
والخوف معجون
يمور مع الحنين
قد احتسي ، دمي النبيذ
على رصيف مدينة ثكلى تنام
ويرحل بنا حمندي ليذكرنا بزمن جائر فيقول في قصيدته ( شهقة فجر )
زمن جائر
وبلادي على قلق
بين امن وخوف
مثلما البحر في لجة العصف
احلامه السود تحت الصخور
وكل الشواطىء تنأى
فتأخذني الهاوية
هل سأبقى أدور
مع الموجة العالية ؟
وفي قصيدة ( حالمون .. ونبقى ) تتجلى الصورة الشعرية بلغة عميقة المعاني وببهاء مشع وشعوره العربي يمور في احساس مرهف حيث يقول
حلم في نخلة القدر المحبب
أهيفا
وبنيله وفراته
يسقي العطاشى الحالمين
بكوكب يمتد من فقراء طنجة
للبنفسج في الخليج
ولا يضن بنوره في أمة سكرى تنام
ويعرج شاعرنا ليذكرنا بما جرى من خلال قصيدته المعبرة بصدق الأنتماء ( أسراء )
إني مع المظلوم ، اكره قاتلي
وإن مثلي لا يحب الحرب
الا في الدفاع عن الوطن
ولربما قد كان قلبي ناحبا
ومكفكفا دمعي بكاء الخاسرين
وهنا يخاطب الزمن في قصيدته ( صوت في الريح )
زمن أعمى
جعل الظلم مرعى
وشريعة غاب
أبواب موصدة
من يفتح في هذا الليل الأبواب ؟
ما أقسى الناس على الناس
ما أقسى الليل
هل انسى ما كنت أعاني
هل أنسى صوت الله
أو صوت المظلومين بوجه القهر الأنساني ؟
من يسمع صرخة حق في الزمن الفاني ؟
أبهم صمم ؟
ولم يكتف الشاعر عبد المنعم في نصه الجديد الحديث عن الوجع العراقي والتحدي المحبوس في الصدور وبين سطور اشعاره بل تعدى ذلك لتكون فلسطين هي الأخرى حاضرة في ضميره ووجدانه بتأريخها البطولي وجهاد وتضحية شعبه وتحدياته في مواجهة الظلم والقهر والتسلط من خلال صمود بطولي لا مثيل له والذي اصبح حديث الجميع القريب والبعيد ..
ففي قصيدته ( عشق فلسطين ) يقول :
أتلعثم في لفظها قبل أن أتهجى الحروف
كيف لا تستحي نخلة في الفرات
وفلسطين مرهونة للغزاة
جفلت خيلها
أم من النار ولت إلى غابة في الشتات
ان الشاعر المقتدر عبد المنعم حمندي قدم لنا في هذا الديوان صور شعرية بالغة القوة وبجمالية مبهرة جسدها يراعه بحنكة وحرفية شعرية فائقة التمكن جعلنا نرحل معها بتمعن محبب لشاعرية اثبتت وبتحدي كبير انه الصقر الذي اجاد قنص المفردة المعبرة والبليغة وهو يحاور الزمن والمرحلة ليعلن عن التحدي الشعري والجمالي الواعي لكل انواع الأصفاد والرياح اينما وجدت