زمان كل يوم ( 1 )
الأثر ( الطين والمكان والعطر ) أور إنموذجاً
نعيم عبد مهلهل
كتب الجمالي الفرنسي غاستون باشلار عن سحر الأمكنة من خيال جعل الخيال وعياً مرئياً وجمالياً ، وهو أكثر منظري الجمال من نجح في ذلك وخصوصاً عندما ينظر الى الأمكنة وهي تتجمل بأشيائها وآثاثها وموجوداتها ، لكن غاستون باشلار لم يكتب عن الامكنة الأثرية سوى بأشارات قليلة ، لأنه إعتنى بصورة الحضارة المعاشة كفعل مجتمعي وروحاني وجمالي .. ربما لأنه استعان بالمنظور وليس المطمور بالرغم من أن بعض الحضارات المطمورة اظهرت سحرها علنا بفضل التنقيبات مثل الحضارة السومرية والبابلية والفرعونية والاغريقية والرومانية وغيرها .
أنا من أور ..انتساب المكان والتاريخ والأسطرة والسفرات المدرسية وموهبة الكتابة .كل شيء معي فيه بقايا عطر أور ، وحتى آخر رواياتي كل احداثها في أور .لهذا دائما أنظر الى هذا المكان واتابع تطورات الاهتمام في المدينة الأثرية والذي الذي حدث الاهتمام به بعد زيارة قداسة بابا الفاتيكان الى أور قبل أعوام . وربما إتفق خلالها بين الحكومة العراقية وحاضرة الفاتيكان على تطوير المكان وخلق صلة من التواصل بين مسيحي العالم الغربي والمكان الذي يعتقد ان النبي ابراهيم ع ولد فيه .ولكن الى اليوم لم يكتشف الاثر الملموس لهذا المعتقد سوى ما ذكر في الكتب السماوية ومنها التوراة ، فبنو مسرحٍ بفضاء مفتوح وفندقٍ وقاعات وكنيسة ومرفقات أخرى أفرحت الكثير وحملت اسئلة عند الكثير أيضاً عن مكملات ينبغي أن يؤثث فيه المكان ،ولكن في النهاية أور ( شويه ..شويه ) بدأ الاهتمام بها من خلال توافد الزائرين قطريا ودوليا ، والأجمل أنها أصبحت بوابة لزيارة مناطق الاهوار التي لاتبعد عنها كثيرا ..
ولكن بسبب المشيدات والجهد السياحي توقف التنقيب في هذه المنطقة فلم يعثر على أشياء أخرى أظهرت ملامحها بعض الخرائط خلال المسح الجوي والاقمار الصناعية للمكان يعتقد انها مبهرة كالتي عثر عليها العالم الاثاري ليوناردو وولي وبعثته الأثرية في عشرينات القرن الماضي في مقبرة اور المقدسة واغلبه يعود الى إرث سلالة أور الثالثة ،وقبلها كانت سلالات ودويلات قبل أن تمحى المدينة وتحرق وتتحول الى قرية صغيرة ينظر اليها البابليون باحترام لأنها في يوم ما كانت موطنا للآلهة عظيمة .
ما أنتبه اليه اليوم أن تصبح أور جهة سياحية مهمة وحيوية ولكنه لم يفعل كثيرا .. وأن وزارة الثقافة والسياحة والاثار عليها أن تمتلك الدور الاكبر في هذا ..لكنها منذ تأسيسها تظهر لنا صورة تشعرنا أنها مقيدة اليد ، فما بنيَّ في أور هو ليس من موازنتها بل من موازنات مساعدات خارجية واخرى من صندوق الاعمار ولكن عليها أن تأخذ زمام مبادرة إدارتها وتطوير المرافق وتأسيس لجان للدعاية والجذب السياحي وتقديم العروض المسرحية وانشاء مهرجان سينمائي عالمي للافلام التاريخية والاثرية يحمل اسم أور وأقامة معارض فنية قطرية وعربية ..وعلى المحافظة ( محافظ ذي قار ومجلسها ) كأدارة أن تبادر ايضا بانشاء جائزة ادبية في الرواية والشعر والمسرح والدراسات النقدية والفنية والترجمة بعنوان جائزة اور لللابداع الثقافي فيكون الاحتفاء بها حدثا ثقافياً عراقياً وعربياً كبيراً .
هذه هي رؤى وأحلام أتخيلها ممكنة وأتمناها من أجل مدينة أول المعابد وأول مسامير اللغة وأول الاساطير التي ارادت أن تجعل الآلهة ينزلون من العلياء ليشاركوا الفقراء تناول الخبز والتمر واللبن وهناك في الأفق البعيد صياد سومري يدفع بمجداف شختورته ويغني الأويلاه بالطور المندائي ( الصَبِي ).