الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دعه يسرق دعه يعمل

بواسطة azzaman

دعه يسرق دعه يعمل

منقذ داغر

 

في خمسينيات القرن الثامن عشر، طور الاقتصادي الفرنسي فنسنت دي جورناي، مصطلح (دعه يعمل دعه يمر laissez-faire, laissez-passer) وذلك أثناء دعوته لإزالة القيود التنظيمية المفروضة على التجارة والصناعة في فرنسا. ثم بات ذلك أحد مبادىء اقتصاد السوق الحر التي طورها آدم سميث فيما بعد والتي تؤكد أن اليد الخفية للسوق وليس التنظيم الحكومي هو من يدير السوق.لذا يعارض متبنو هذا المبدأ كل أشكال الرقابة الحكومية وأي نوع من التشريعات أو ضرائب الشركات التي تحد من حرية السوق. وكالعادة،فقد شوّه سياسيو هذا الزمن عندنا هذا المبدأ ليصبح دعه يسرق دعه يعمل. فما هو هذا الاختراع الاقتصادي العراقي؟

اكثر من احدى وعشرون سنةً وانا اعمل في مجال الرأي العام العراقي. وقد استرعى انتباهي ظهور رأي تبريري سائد منذ سنوات مفاده (خلي يبوگ بس يشتغل)!! فحينما تقول ان الموظف،او المحافظ او الوزير أو المسؤول الفلاني مرتشي وصار ملياردير من خلال الانتفاع من الوظيفة العامة ،تجد عشرات الاصوات التي تجيبك: (لكنه على الاقل سوه شغل….مو احسن من الحرامي المايسوي شغل!!!). باختصار هم يقولون لك ان سرقة المال العام مبررة ما دام الحرامي يشتغل

اعلم ان الغالبية سيقولون هذا هو الواقع الذي يجعلنا نرضى بالصخونه بعدما رأينا الموت!! لكن سيادة هذا الرأي التبريري له عواقب جسيمة على العراق ومستقبله.

السارق متفضل

 فمن جهة هو يقضي على منظومة القيم والمعايير الاجتماعية ويجعل المنطق الميكافيلي هو السائد. ومن جهة أخرى فهو يجعل السارق متفضل على المسروق!!فهل الشرف هو قيمة نبغيها لذاتها ام اننا نبغيها لمنفعة ذاتية؟ ففي حال قررنا اننا نريد الشرف لانه ينفعنا فقط،فهذا يعني اننا نرفضه مادام لا ينفعنا. بالتالي فما دام الحرامي ينفعنا فلا بأس ان يكون غير شريف. وما دام السارق يجلب لزوجته واهله وعشيرته ومجتمعه منافع مادية فليسرق ما يشاء!!وبنفس القياس فما دام الديكتاتور او الطاغية أو الوضيع أو الصفيق أو (السرسري) يحقق للمجتمع الأمن بطغيانه، ويحقق لنا المنفعة بجرائمه فليفعل ما يشاء! وينسى التبريريون أنهم بمنطقهم هذا يحوّلون المجتمع الى غابة نفعية يبرر فيها القتل والسرقة والجريمة وكل شيء ما دام من يقوم بذلك يحقق بعض المنافع لنا. ونتحول جميعنا كأفراد الى كائنات طفيلية تشبه تلك الاسماك الصغيرة والعوالق والطفيليات التي تحيط بأسماك القرش والحيتان لتعتاش على بقايا فرائسهم. وهكذا ننسى ان الموظف العام هو بالحقيقة خادم عام public servant كما لا زال يسمى بذلك في بريطانيا وفي ادبيات علم الادارة العامة. وبدلاً من ان يكون هذا الموظف العام ممتناً لشعبه الذي اعطاه الفرصة ليصبح بهذا المنصب والجاه فأن هذا (الحرامي) يصبح متفضلاً علينا لأنه (يسرقنا برضانا)!! وبدلاً من أن نسأل الموظف العام من أين لك هذا،يسألنا هو متمنناً علينا: من أين لكم هذا؟ لولاي لما اصبحت لديكم شوارع،او جسور،أو وظائف ،أو متنزهات،أو حتى حياة!! أنا الحرامي الضرورة وانتم القطيع الممتن للعلف الذي أقدمه لكم،والحضيرة التي تأويكم،والهواء والماء بل حتى (المااااع)التي تنطقون بها. وهكذا حين تتساءلون-بوقاحة- أين ذهبت أكثر من تريليون وربع من الدولارات من دخل العراق ونحن محرومون من ابسط خدمات الحياة من كهرباء وماء وصحة وتعليم ،فالحواب واضح: صرفتُ عليكم -متفضلاً- ايها الخراف والنعاج ربع تريليون دولار والباقي اودعته في حسابي فمالكم تجحدون ما قمتُ به؟! ومالكم تستكثرون عليَّ يضعة مليارات أحصّلها منكم نظير خدمتكم؟!!

ورحم الله الأمير الشاعر الذي قال:

إحترامي للحرامي صاحب المجد العصامي..

احترامي للحرامي صاحب اليد النظيفة…جاب هالثروة المخيفة…من معاشه في الوظيفة…وصار في الصف الأمامي

فلنربّي اولادنا ليكونوا حراميه…ولنثقف أحفادنا ليسرقوا كل الخرجيه…ولا يبقون منها الا (شويه) ينطوهه للقطيع ،ليرضى ويطيع،وينتخبهم من جديد، ويمدحهم ويشيد.


مشاهدات 75
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/01/25 - 12:02 AM
آخر تحديث 2025/01/30 - 4:55 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 409 الشهر 14866 الكلي 10294831
الوقت الآن
الخميس 2025/1/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير