الدينار بين الوعود والعهود
عبدالكريم يحيى الزيباري
الوعد: أنا أطمئن المواطن لا يقتني الدولار، الدينار هو الأقوى. التعليق: ما دامت بغداد تفرض نفوذها وسيطرتها على واشنطن سيظل الدينار هو الأقوى. العهد: وعدٌ مقرون بشرط، بعد مئة يوم سيهبط الدولار. إذا تجرأت أمريكا وشنَّت الحرب، سأجعل الراعي يسقط طائرة الشبح ببندقية برنو قديمة!
لسنوات طويلة والدينار مستقر بألفٍ ومئتي دينار، بلا مضاربات ولا مفاجآت ولا تهريب ولا أية مشاكل، فجأة صدرَ قرار بخفض سعر الدينار، ربما استجابةً لصندوق النقد الدولي أو السفير الأمريكي أو وزارة الخزانة الأمريكية أو غير ذلك، وبدأت المضاربات وخرج سعر الصرف عن سيطرة البنك المركزي الذي يبيع بألف وثلاثمئة ألف دينار، وفي الأسواق بألف وستمئة ألف دينار وربما أكثر. حكومة الكاظمي وقعت اتفاقية بمهلة سنتين، للخضوع لمعايير الامتثال للنظام المصرفي العالمي، ولا أعرف ما علاقة النظام المصرفي العالمي بقرار خفض سعر الدينار العراقي، وهل يتدخل هذا النظام بخفض عملات دول أخرى؟ وما هي المنافع التي يجنيها الشعب العراقي من الامتثال للنظام العالمي؟
زيادة عرض
لماذا يعجز البنك المركزي عن خفض سعر الدولار؟ لماذا المعروض من الدولار في السوق أقل من الحاجة الفعلية؟ إذا كان لدينا القدرة على زيادة العرض، فلماذا التقاعس؟ مَنْ الخاسر الأكبر في انخفاض سعر الدينار العراقي؟ أنقرة أم طهران؟ بمقدور وزارة المالية تقدير حجم الاستيراد من الدولتين الجارتين، وبالتالي معرفة الخاسر الأكبر. لماذا تصرُّ أمريكا منذ 1979 على استخدام الشعب العراقي في حربها مع طهران؟ ما علاقة الشعب العراقي باحتلال بعض الطلبة الإيرانيين لسفارة واشنطن 444 يوماً؟ ما علاقة الشعب العراقي بمحاولات إيران الحصول على السلاح النووي؟
في أوجِ الحصار، قبل تنفيذ مذكرة التفاهم في شباط 1996، ارتفعَ سعر الدولار حتى اقترب من الأربعة آلاف دينار، ثم انخفضَ إلى الحضيض، ثم بدأ بالارتفاع مرَّةً أخرى ووصلَ في أيار 1998 إلى (1680) دينار. والحرب مستمرة، والحصار مستمر.
شباط 2023 رئيس الوزراء (أنصحُ المواطن لا يقتني الدولار، الدينار هو الأقوى)، وتحديدا منذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي، لكنَّ الدولار استمرَّ في ارتفاعهِ، وهو يتراوح بين (1500- 1600) دينار كما كان قبل ربع قرن، رغم محاولات البنك المركزي السيطرة على السوق السوداء، وبيعه مئتي مليون دولار يومياً بالسعر الرسمي (1320) دينار، وحظرت السلطات على التجار والأسواق التعامل بالدولار.
وألقي القبض على بعض كِبار المُضاربين في سوق الدولار، لكن، وربما كانت محاسبة البعض لا تصبُّ في المصلحة العامة، بقدر ما تصبُّ في مصلحة المضاربين الآخرين!
وقبل إقرار الموازنة العامة للبلاد، منتصف حزيران 2023، ظنَّت الحكومة أنَّ سعر الصرف سيتراجع فور إقرارها، غير أنَّ الدولار ظلَّ خارج السيطرة واستمرَّ في الارتفاع.
مصدر الدولار من بيع النفط، كلما ازدادت المبيعات وارتفعت أسعار النفط، ازدادت احتياطي الدولار، ولكن الإنفاق الحكومي بالدينار، فتضطر إلى بيع الدولار لدفع المرتبات وتغطية إيفادات مجالس العزاء الدولية ونفقات السفارات وغير ذلك، وبالتالي كلما ازدادت مبيعات الدولار انخفضَ سعره، لكن كمية الدولار المُباع ربما يخضع لقيود وزارة الخزانة الأمريكية بألا يتجاوز مئتي مليون دولار، والطلب في تزايد، والدولار سيظل يرتفع، والمواطن يعاني، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية حدَّ الضعف تقريباً. ويوماً بعد آخر تزداد القيود وتتراكم عمليات رفض معاملات الشراء عبر نظام المنصة الإلكترونية لعدم امتثالها للشروط التي ينص عليها نظام التحويل المالي الدولي. وما لم يضع البنك المركزي بمساعدة وزارة المالية، خططاً لعمليات سحب أكبر للدينار العراقي من الأسواق، فإنَّ التضخم سوف يزداد، وربما يصل الدولار إلى ألفي دينار.