ما بين الحنان والعنفوان
علي الجنابي
لا ريب ان الرجال صنفان، فصنفٌ صنديد محمودٌ يعمر البلدان حتى آخر نفس معقود في الأبدان، وصنفٌ رعديدٌ مهدودٌ يلهو مع الولدان مع أن السواد معدودٌ في شيب اللحى بلمعان.
وهكذا فلكل صنف أزواجٌ من سجايا سواءٌ في إناث أو في ذكران، و «كل ميسرٌ لما خلق له « حيثما كان. سجايا جليةٌ لكل ذي لب في كل دهر وآن، وصبغاتٌ قد صبغ الخلاق جل جلالهبها بني الانسان، فما زعم خالد بن الوليد قط أنه الفقيه أو أنه شاعر الزمان، وما إدعى أبن ثابت أنه سيف الله المسلول في الميدان، بل شاعر الرسول (ص) حسان، وكفى بهما من لقبين وهبهما لهما الرحمن بإحسان. وكذا لم يكلفْ رسول الله (ص) بلالاً بقيادة السرايا بل بالآذان، وأمر فتىً مراهقاً «أسامة بن زيد» بغزو إمبراطورية الرومان وما كلفه برفع الأذان. وهكذا جرت وتجري الصفات، فصبغات رجالات العراق هي غير صبغات رجالات لبنان، وصبغات رجالات الشام هي غير صبغات رجالات السودان، وكذا سرت وتسري الصفات بين القرى في البلدان، فصعيد مصر ذو ريادة في العلم وقيادة وعنفوان، بينما اسكندريتها ذات انفتاح وفيها من الثقافة ألوان، وكذا الأمر في بلد الرافدين كان وبان، وهو ومصر شقيقان، فأبن الموصل مثابرٌ طموحٌ للقيادة بعنفوان لكنه والحرص صنوان، بينما أبن البصرة مكرمٌ وجنوحٌ للسلم بحنان لكنه والقيادة نقيضان.
وهكذا هي الصبغات جليةٌ معالمها أمام كل ذي حجر حيثما كان، قد صبغ الخلاق جل جلاله بها بني الانسان من أفراد ومن قرىً وبلدان، بل إن ختم الصبغة جلي لذي لب حتى في بني الطير والثيران. وإذاً فمحالٌ لمصلاوي أن يرتدي ثوب «حاتم الطائي» بامتنان، ومحالٌ لبصراوي أن يهتدي أنه «جنكيزخان» أو القائد للأركان، لإن ارتداء ذي الكرم والحنان لثوب قيادة الأوطان، واهتداء ذي الحرص والعنفوان لثوب الكرم والحنان، ابتغاء الاستحواذ عليهما كليهما بقبضة «الكرم والعنفوان»، حماقةٌ يشمئز منها المصاب بداء التوحد من الصبيان، استناداً الى بديهة «فاقد الشيء لا يعطيه» مهما حاول ودرس واستبان. وإذاً سيفقد الناس إن تنازع وتصارع الطرفان، معاني «الكرم» ومباني «الزعامة» في الإنسان، فلم يعد الكريم كريماً بوجدان، ولا الزعيم زعيماً بعنفوان، وإنما عجلة الحياة على مر الزمان، وجدت لتجري بسلاسة من تودد في الوجدان، إن علم كل امرئ وزنه وصبغته والعنوان، لينبري للناس بما ختم الله تعالى على جبينه من غريزة في فكر أو في بنان، ورحم الله ابن أبي وقاص فما أدعى شيم الكرم والإنفاق في العنان، وما نازع بذلك ذا النورين الحيي عثمان، رغم ان سعداً كان عالي اليد ويملك من الأموال أطنان، بل أسرج الخيل وانبرى فاتحاً للأمصار والبلدان، وتلك هي صبغته التي سمت في الميدان، وكذا فعل وتصرف خالد بن الوليد وكذا فعل وتصرف شاعر الرسول (ص) حسان، وكذا فعل كل امرئ من آبائنا الأولين وتصرف وفق صبغة ولد منها وعليها جبل وكان.
بل وكذلك تصرف «ستالين» وتصرف شاعر روسيا «ألكسندر بوشكين» في بلاد الإلحاد والكفران، وكذا يفعل ويتصرف بنو الأنسان في كل مقطن وموطن وآن. وبذلك تحدثت جدتي عن أمها عن جدتها الغابرة والتاسعة عشر في سلسلة الزمان، إذ قالت؛ «دع الخبز لخبازه واحترمْ صبغة الله جل جلاله لبني الإنسان».