ليس دفاعاً عن أحد وإنما للتاريخ
جاسم مراد
بعد الاجتياح الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين ، كان الهدف التالي سوريا ، وربما ايران ، فجعل كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق محطته الرئيس دمشق ، ليس حباً بهذه العاصمة العربية العريقة ، وإنما استغلالاً للسقوط السهل الذي حدث لبغداد ، وتهديدا لهذه العاصمة لكي تمضي على خطين متوازيين على وفق الاجندة الامريكية ، الأول القبول بما تطرحه الدوائر الامريكية والمضي وفق سياساتها في المنطقة وعدم التدخل بالوضع السياسي العراقي الجديد ، والثاني المضي في حل الإشكالات مع إسرائيل والصلح معها على أساس المفاوضات التي ترتبها الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة وتكون دمشق جزءً منها ، وطرد المنظمات الفلسطينية من سوريا .
هذان الشرطان رفضهما النظام السوري في ذلك الوقت ، للأسباب التالية حسبما ترشح ذلك من العديد من الشخصيات الوطنية والعروبية السورية واطراف من التنظيمات الفلسطينية ، فالرفض الأول انبنا على أساس إن دمشق لا مانع لديها ، بل ترحب بعلاقات طيبة مع واشنطن مبنية على مشتركات المصالح في كافة المجالات بعيداً عن الاملاءات وفرض الارادات ، أما الثاني المتعلق بالعلاقة الإسرائيلية السورية ، والإسرائيلية العربية ، فهذا الأمر منوط بانسحاب إسرائيل من الجولان المحتل وتنفيذ القرارات الأممية بشأن القضية الفلسطينية ، أما ما يخص المنظمات الفلسطينية في سوريا ، فهذا الأمر ليس منة او فظل لسوريا للوجود الفلسطيني فيها ، وإنما ذلك حق طبيعي تفرضه استحقاقات فلسطين على بلاد الشام .
من هنا بدأت التحركات واعدت الخطط لكي تسقط دمشق مثلما سقطت بغداد ، لكن الامر يحتاج لوسائل مختلفة ، وتحققت الوسائل ، ( 14) عاماً من الحصار ، واكثر من ( 36) منظمة مسلحة ومعارضة وارهابية ، أي بما معناه ، حرب كونية عسكرية إرهابية اقتصادية تجويعية ، وكل ذلك لمصلحة إسرائيل، وهنا فتح الحساب ، إسرائيل تجتاح وتحتل الأراضي السورية ، وتدمر اكثر من ( 800) منشأة عسكرية واقتصادية وبنيوية ، ولا أحد يحتج وينذر ويهدد ، لا في دول العالم الغربي ، ولا العالم العربي ، ولا العالم الإسلامي ، اللهم سوى كلمات خجولة صدرت من بعض وزراء خارجية العرب في اجتماع العقبة .
ماذا عن العراق
اسمحوا لنا أن لا نشير للأسماء لحساسية الوضع ، تحدثنا في مرات عدة ، من إن العراق مستهدف داخلياً ودولياً وشرق اوسطياً ، لموارده ومحورية موقعه في الخارطة الدولية ، فهذا البلد محسود بشعبه وتاريخه ، فهو بلاد الرافدين ، الذي قاد العالم مرتين الأولى في العهد البابلي والثاني في العهد الرشيدي، ونشر المعرفة في كلا العهدين ، وهو الان يعيش حالة من الارهاصات والتخويفات والانذارات ، تارة عبر الداخل بتأييد من الخارج ، وتارة أخرى من الخارج مباشرة ، مرة نزع السلاح ، ومرات أخرى عبر تهديدات الانقلابات الناعمة بحجة التغيير ، فالكل تابع التجمعات التي حدثت مؤخراً بحجة تجنب العاصفة القادمة ، في حين الكل يعرف بأن البعض من هؤلاء هم جزء من تركيبة النظام منذ الاحتلال ، وعليهم الكثير من علامات الاستفهام سيما في مجالات المال الحرام ، والبعض الاخر يغني في ابريق الغرباء .
نحن ندرك ونؤكد بأن النظام السياسي المبني على المحاصصة والطائفية والعرقية لا تبني اوطاناً ولا تحقق برامج تنموية ولا تخدم الشعب ، وهذا ما حدث طيلة ال ( 20) عاماً الماضية، والكل او الغالبية من الكل تعرف جيداً بأن استمرار هذه الحالة دون تغيير بل يتم تكريسها في كل مرحلة أو فاصلة من زمن الانتخابات التي عليها الكثير من المأخذ لمصلحة اطراف بعينها يؤدي الى تهميش العراق ، وإمكانية تقسيمه ، وهو اخطر السينياروهات المطروحة ، وان الحل عراقيا ، بالنظام الوطني العابر لكل التوصيفات، والمواطنة كتعبير موضوعي وحقيقي لوحدة الشعب .
هذا مطلب شعبي وعملية تطوير الدستور بعد سنوات طويلة من تحقيقه امراً لابد منه ، وعلى كل القوى الحاكمة وغيره أن تدرك بان العراق لايمكن ان يحكم ويدار بفئة أو فئات محددة كأنها هي الوصية وغيرها يبقى يسبح في البرك المقابلة ، وان النظام المدني هو مطلب كل مكونات وفصائل الشعب المختلفة ، لكون العراق بلداً متعدد المكونات والعرقيات والمذاهب والديانات ، وهو الضامن للوحدة الوطنية والعنصر المهم لتطور البلاد ، وليس مرغوبا أو مطلوباً أن تقف جهة برلمانية أو حزبية أو مذهبية وعرقية أن تستغل تفوقها العددي البرلماني او اتفاقاتها مع كتل أخرى لتعود في بعض القوانين والقرارات الى الخلف بحجة دينية أو نتيجة لشروط رغبة هذا وذاك، مخالفاً ومتناقضاً مع رغبة الشعب والتطور الإنساني والحظاري العالمي .
المهم لابد من التنبيه إن البعض قد تسلم فرمون التأييد الخارجي للتقسيم ، والبعض الاخر يستغل ماجرى في سوريا بإمكانية تطبيقه في العراق ، الكل يستشعر الخطر ، لكن ليس من المقبول جعل ايران شماعة مهاجمة الاخرين ويتناسون اخطار الزحف الإسرائيلي للأراضي العربية والاجتياحات الكولونيالية العسكرية للمنطقة بدواعي وشعارات متعددة . إن تطوير العملية السياسية بالمفاهيم الوطنية أمراً مهماً وضروريا ، ولكن ليس بثوب وخطوط عرض وطول الخارج ، وإنما بمفاهيم الوطنية العراقية ، وان التجمعات والزيارات التي تحدث هنا وخارج الحدود أملنا أن تلبس الثوب العراقي وليس الغطاء الخارجي فهذا السلوك يخوفنا جميعا من خطورة التداعيات القادمة ، ولا نريد أن ندخل في اللعبة الدولية الخطيرة جداً من تغيير الأسماء والعناوين من إرهابيين الى وطنيين ، ومن وطنيين الى إرهابيين ، فدخولنا في هذه المعدلة تعني وضع بلاد الرافدين في خطر حقيقي ، فعلى الجميع التنبه لذلك ، وان الجميع مسؤولين عن وحدة وسلامة الوطن ، وان التاريخ يسجل ولا يرحم احداً .