العرب وسوريا.. ربحنا الحرية وخسرنا الدولة
مزهر الخفاجي
لقد اختلط على الناس مفهوم الثورة، فإذا كانت في خمسينيات القرن الماضي أو في ستينياته مبررة في ظل توافر مبرراتها او اسبابها رغم تعدد مرجعياتها الفكرية ( اليسارية أو القومية). لكنها أي مفهوم الثورة الآن، والكلام للمفكر والشاعر ( ادونيس) حيث يقول:
- « ان كلمة الثورة قد استنسهلك، فثورة هذه الايام قد يقوم بها أناس متطرفون ومتوحشون
اكثر من الانظمة الذين يقومون بالثورة ضدها... والثورات التي تقوم لم تجد حلاً».
حاجات الناس
إذ أن نتائج الثورة والحلول التي اتت بها بدل من ان تكون حلاً للظلم وتحقق حاجات الناس صارت الثورة مشكلة من مشكلات العرب، وذلك منذ ما يسمى بالربيع العربي عام 2011 فالعرب والمنطقة صار حالها اشبه ببحيرة سمك بدأت تجف بعد ان كانت مليئة بالاسماك وصار السمك هذا يأكل بعضه بعضا.
لقد تعددت اسباب القتل والثورة... فهذا يقتلك بإسم القومية...... وذاك بإسم الدِين.... وذاك يقتلك بإسم القبيلة........ وآخر يقتلك بإسم الطائفة!!. وليس للعرب من حلّ إلا بمعجزتين:
-الأولى حضور الوعي، استشراف الحل والرؤية لحل مشكلات الدولة العربية المعاصرة والمشاكل المتمثلة (بأستبدال السلطة ..بالقوه الغاشمة ، والحرية ..بالأستبداد ، والعدل بتعدد مراكز الاستعباد)
- والثاني القطيعة مع الماضي. أي الخروج من هذا السياق التاريخي... الى سياق آخر وتأسيس مجتمع عربي جديدو تتخادم فيها المجتمعات لانتاج جماعة وطنية ... وتتبنى عقد اجتماعي جديد(دستور) ،وأقصدُ عقداً او دستوراً مفروضاً مع دولة تبسط العدل النسبي المجتمعي بالمدونة القانونية التي تأخذ مجتمعاتها الى مستوى من الحكم الرشيد. فضلا عن تأسيس الفرد والمجتمع العاقل والمستقل على أساس حُر مستقل، لكن الذي حصل منذ الخريف العربي عام 2011... اننا اصبحنا تحت موضة الحرية والمطالبة بالحقوق والحريات ..وكأننا نطمح ان نخرج من اوطاننا الى أوطان أخرى لا تشبهها ابداً.
فلا الحرية........ حرية
ولا الديمقراطية............. ديمقراطية
ولا الهوية........... هوية بل هويات
ولا الوطنية...........وطنية بل مكونات وولاءات.
وهذه ربما كانت العتبة الاولى في الصدام بين الوطن والحرية ..وعوداً على بدء
يبدوا ان فكرة التحلل الوطني ..او وهم الحرية المبتلاة كان قد تأسس ف ضمير وعقل العراقيين والعرب منذ التغيير الذي حدث في العراق و المنطقة عام 2003!!!!؟؟؟؟.
ففي العراق، وبعد احتلاله تقدمت معارضة من مختلف التوجهات والمرجعيات والآيديولوجيات لتدفع جماعة سياسية سمّاها بعض المحللين بالطائفية الديمقراطية والتي استحالت ( عوائل السياسية) ثم اختزلت الى( الزبائنية السياسية).
وقد فوجئ الشارع العربي بهزة اخرى عام 2011 ونقصد حراك الجماهير العربية او مايسمى بالربيع العربي عام 2011 فأفرز هذا الحراك جماعات سياسية بمختلف التوجهات الفكرية والسياسية ومتعددة الاهداف والاتجاهات، لايجمعها جامع سوى رفض النظام العربي الشمولي السابق ومحاولة اقتفاء الغرب ، في الدعوة لالغاء نظام التوريث او نظام الحزب الواحد ورفع شعار (التعددية السياسية ..وبناء الدولة الديمقراطية) ففي مصر مثلاً نجحت القوات المسلحة المصرية في حماية البلاد وابعدته عن فوضى الاقتتال او التقسيم ومحاولة تغيير هويته الوطنية والعروبية والثقافية، وفي الوقت نفسه نجحت القوات المسلحة المصرية والقوى الوطنية في الداخل من الحفاظ على الدولة المركزية.
كذلك حرصت القوات المسلحة فيها خصوصا الجيش الى العمل على تطبيق مبادىء الديمقراطية، التي من تطبيقاتها التداول السلمي للسلطة بما يجعلها تحافظ على تقاليد الدولة المحمية بقواتها المسلحة، والتدرج في الخلاص من الزبائنية السياسية التقليدية، المتمثلة بمحاولة الاخوان المسلمسن بالقبض على السلطة وحرف اتجاهاتها بما يضيق على المصريين عنوان التعدد الثقافي الذي تجمعهُ الوطنية المصرية الجامعة .
أما في تونس، وإن نجح ( الباجي قائد السبسي) في الحفاظ على مفاصل الدولة الشكلية، اي السياسية التقليدية. لكن يبدو ان عناصر وقيادات الاسلام السياسي المدعومة من قبل دولة قطر.
من خلال الدفع بالاخوان المسلمين لكي يتسللوا الى مفاصل السلطة من رئاسة الوزراء حتى رئاسة مجلس النواب / راشد الغنوشي حتى رئاسة الجمهورية /موسى المرزوقي.
بيد ان الجماعة الاسلامية وان تمكنت من استلام مقاليد السلطة، لكنها كما هو الحال في مصر، لم تتمكن من الانحياز الى جماهير الشعب وقواه الوطنية والقومية والتقدمية. والغريب في الامر ان المؤسسة العسكرية في تونس كانت تراقب الاحداث بعين الحامي للبلاد.
لكنها ابعدت نفسها من التدخل او الانحياز الى أي جهة من تلك الجهات من حيث توجهاتها السياسية . لكنها في الوقت نفسه كانت تتحين الفرصة لتدعم الجماهير، حيث انها دعمت رغبة الشارع التونسي من اجل اجراء انتخابات، وذلك ما حصل في العام 2020.وفيها صوّت الناس الى الدكتور (قيس سعيد). وبهذا الموقف الذي وقفته القوات المسلحة التونسية حظيت هذه المؤسسة باحترام الجماهير في الشارع التونسي، فضلا عن دعمها للمرشح ( قيس سعيد).
وكانت بدعمها وانحيازها للشارع واحترامها لصناديق الانتخاب قد قطعت الطريق على الاخوان المسلمين من ان تساعد النظام العالمي للاخوان المسلمين من القبض والاستيلاء على السلطة في تونس بعد ان خسروا المحطة الاولى في مصر.
ثم شهدنا تراجع نشاطات هذه التنظيمات في المغرب والجزائر ، وكان النظام الاخير لفشل مخرجات الربيع العربي واضحاً في ضياع الدولة المركزية في ليبيا وكان من اسباب هذا الضياع بالأضافة الى تدخلات القىوى الاقليمية في الشأن الداخلي الليبي ونقصد (التدخل التركي، الالماني ، الايطالي، القطري ) ان تشظت الدولة الى اكثر من ثلاثة مقاطعات ويعود الامر كما نعتقد الى غياب الرؤية الوطنية للمعارضة الليبية وتمزق المؤسسة العسكرية والأمنية للدولة العميقة في ليبيا ، وقد عَمق من ضياع الدولة غياب المشروع الوطني الليبي والذي كان من نتائجه (الصراع الداخلي بين قوى المعارضة الاسلامية وقوى المعارضة الخارجية ، واصطدامها بالمصالح القبلية والعشائرية في ليبيا) وكان الصراع على السلطة والنفط ..مدعاة لفوضى ونزاع وطني مستمر الى حد الأن .
الاسلام السياسي
وهذا في الحقيقة كان يتقاطع مع اهداف الادارة الامريكية التي كانت تتعاطف وتتخادم مع الاسلام السياسي الموجود في البلدان العربية خصوصاً.ويتجلى ذلك عندما كانت الادارة الامريكية ممثلة ب رئيسها باراك اوباما تغازل الاسلام السياسي وداعمة لتولي الاحزاب الاسلامية السياسية السلطة فيها، وهذا ما عبرت عنه بشكل علني وزيرة خارجيته (هيلاري كلنتون).
وإذا ما انتقلنا الى المشرق العربي، فقد حافظت لبنان على هيئة الدولة على شكل كانتونات وأمراء الطوائف، مع ملاحظة ان المقاومة فيها كان دورها يتصاعد شيئاً فشيئاً. وذلك بعد ان تصاعد دَور ايران الاقليمي.
وقد ترك الربيع العربي أثره على المشهد السياسي في سوريا، الذي استمرت النار فيه مشتعلة بين السلطة وجماهير الشعب المعارضة، وذلك بين رفض شعبي تدعم عناصره امريكا واسرائيل وتركيا.
وهذا لا يعني ان الحراك الشعبي كان موجها من تلك الدول، لكن مطالبة الجماهير بالحرية هو الذي جعل تدخل تلك الدول مبرراً للتدخل الاقليمي والدولي خصوصا التدخل الاميريكي -التركي -الخليجي-الأوربي.
وكان مبرر رفض الجماهير السورية ، الرغبة في التغيير السياسي لنظام الحكم الشمولي في سوريا ولعائلة الأسد، الذي استمر اكثر من 54 عاماً، وقد تقاطعت عملية التغيير مع رغبة حلفاء النظام السوري ونقصد الايرانيين والروس، وبعض الدول العربية في الحفاظ على الدولة السورية وحليفها التاريخي المتمثل بنظام حافظ وبشار الاسد.
وأضيف الى مبررات الانتفاضة السورية على نظامها تفريط وفق مايقول خصوم ومعارضي الدولة السورية في وقوف سوريا مع كل عناوين المقاومة، من خلال احتضانها ودعمها للمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية. وكان من مبررات الدعم الروسي والايراني ان يصبح في هذه الحالة امراً مشفوعاً بحرصٍ مبالغ فيه، وهي ضرورة الحفاظ على شريك سياسي وعسكري ولوجستي مهم يمثله هنا النظام السوري.
وقد انضمت روسيا الاتحادية الى الجهات الداعمة للنظام في سوريا، الذي كان نتاجاً لفعل ( جيوسياسي) كان قد اتفق عليه بين كل من الامريكان - والاتحادي السوفييتي سابقاً /روسيا الاتحادية .
وهذا الاتفاق يقضي بإن تخضع سوريا للفضاء السياسي والاقتصادي الروسي، وان العراق هو فضاءاً سياسياً وعسكرياً امريكيا، وقد نجح كلا من الحليفين ايران وروسيا وجبهات المقاومة في الوقوف ضد تهديدين عسكريين افرزتها انتفاضات الربيع العربي، التي استمرت اكثر من اربع سنوات.
كان الخطر الاول فيها عسكرياً، وتمثل في محاولة تغيير الانظمة الراديكالية المقاومة مثلت ( ركيزة جبهة الرفض العربي وتحديداً الدولة السورية).
اما الخطر الثاني فكان عقائدياً تمثل في محاولة السلفية الاسلامية الارهابية من اجل فرض تعاليمها الصارمة، التي تجلت في تنظيمي القاعدة ثم داعش ثم جبهة التحرير (النصرة).
وان العامل الثاني دعمته ووقفت وراءه تركيا وزعامة الاخوان المسلمين المتمركزة فيها، فضلا عن التنظيم العالمي للاخوان، الذي اصبحت تركيا مقرا لها. وقد نجح الروس والايرانيين بدعمٍ من قوى المقاومة في لبنان والعراق وقوى اخرى.
في افشال مخططات اسقاط نظام الاسد في سوريا، والذهاب الى اجراء مباحثات بين قوى المعارضة المدنية والنظام السوري في ( سوتشي عام 2013)، ثم مباحثات ( الاستانة عام 2014).
الذي تمخض عنهما صدور قرار من مجلس الامن الدولي بالرقم ( 2254 عام 2015) والمدعوم من الدول الداعمة والرافضة لوجود النظام السوري. لكن النظام السوري ظلّ يتحرك ببطء ويماطل في تطبيق بنود القرار الأممي الذي جاء فيه:-
- الغاء مبدأ التوريث السياسي.
- عدم انفراد الحزب الحاكم الواحد في حكم البلاد.
- كتابة دستور مدني جديد، يعتمد التعددية والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن الفصل بين
السلطات الثلاث ( التنفيذية والتشريعية والقضائية) مع إعطاء حق الادارة الذاتية للأكراد في ادارة مناطق شرق غرب البلاد.
هذه المطالب التي ثُبتت في نص قرار مجلس الامن 2254 / 2015 ضاعت بين ادراج منظمة الأمم المتحدة وادراج الحكومة السورية في دمشق، وبين اختلاف الرؤى بين قوى المعارضة في جانب اخر.
هذا الواقع المستجد هو الذي جعل كل قوة من قوى المعارضة السورية، خصوصا المدعومة من تركيا وامريكا واللوبي الصهيوني في اسرائيل ا محاولة تشكيل كينوناتها ومصالحها السياسية والعرقية والطائفية بعيداً عن ماتم الاتفاق عليه متناسية هويتها الوطنية الجامعة وتاريخ التعايش السلمي في البلاد.
وهكذا تشكلت في ( ادلب- حلب) كانتوناً سُنيّاً تقوده المعارضة الاسلامية المسلحة بكل تنوعاتها وذلك بدعم من تركيا سمي (جبهة تحرير الشام) وكانتوناً كوردياً ( القامشلي- الحسكة- عين العرب « كوباني»). التي كانت بدعم امريكي، حيث يتواجد في تلك المنطقة اكثر من ثلاثة آلاف عنصر عسكري امريكي، لتتشكّل فيها ادارة كوردية سورية مستقلة يتحرك فيها حزب العمال الكوردستاني- المتمركزة ومقرها في تركيا، وحزب الحرية الديمقراطي الكوردستاني. وهذه الاخيرة هي التي سميّت قواتها بقسد.
اما المجموعة الثالثة ( الجيش الحر) فقد كان عماد تشكيلاتها هم من الجنود والمراتب والضباط وقوات الامن المنشقين عن النظام السوري والمتمردين على السلطات فيها، كانت هذه المجموعة تتحرك بين تركيا ودير الزور ودرعا السوريتين.
في الوقت نفسه تنازع كل من الايرانيين والروس بالتدخل في الشأن السوري الداخلي، مرة للحفاظ على الدولة الحليفة ، وأخرى للدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية وهنا كان الاتراك يراقبون عن كثب ما يجري وهم يدعمون ( الكانتون السُنّي).
بين هذه التقاطعات والتناقضات نجح الرئيس السوري حينها بشار الاسد الى ممارسة اللعب على هذه الخلافات والاختلافات مستثمراً دعم الروس والايرانيين لتدعيم اركان سلطاته على سوريا.
لكنه وللأسف لم يستفد من هذا الدعم من اجل تحسين الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لأبناء شعبه، الذي كان يعاني بصورة كبيرة خصوصاً من اوضاع اقتصادية سيئة ، ولم يتدرج في بناء دولة وطنية تتداول فيها القوى السياسية للسلطة ولم يستفد حتى من الدعم العربي (العراق ، مصر ، دول الخليج) والتي انفتحت على سوريا وحرصت على ترميم علاقاتها مع النظام في الفترة الاخيرة.
هذه الاوضاع اصبحت نقطة التحول السياسية الكبرى التي جعلت النظام السوري في مرمى جميع خصومه ومعارضيه، وقد تجلى ذلك بالخصوص بعد موقفه من احداث 7 اكتوبر ( طوفان الاقصى) الذي جرى في غزة.
إذ ظل موقف النظام السوري في ظل بشار الاسد صامتاً، حيث كان من المؤمل منه أن يدعم اهل غزة ومن ثم حزب الله في لبنان، حيث كان امراً عسيراً عليه، وقد عزا البعض هذا الصمت لامرين.
الاول، يذهب الى ان الموقف السلبي من المقاومة في غزة (الاخوان المسلمين الذين دعموا انتفاضة الاسلاميين في ادلب وحلب وحماة) ومن ثم جبهة لبنان، والامر الثاني يعود لرغبة هذا النظام تجنيب نظامه خاصة والدولة السورية عموما قتال هو ليس مستعدا له لان وضعه السياسي والعسكري و الاقتصادي كان مهلهلاً.
فضلاً عن مؤسسة عسكرية انهكتها الحروب الداخلية التي استمرت اربع سنوات اكثر او اقل مع قوى المعارضة، وايضاً لا ننسى القصف الصهيوني المستمر دون توقف بطائراته وصواريخه على كل انحاء سوريا.
اضافة الى ذلك لقد خرج على نظامه بعض المنضوين تحت راية المقاتلين الفلسطينيين، اي مشاركة التيارات الاسلامية الفلسطينية التي كانت متواجدة في سوريا مشاركة بصورة ولو غير مباشرة في الوقوف ضد النظام السوري بقيادة بشار الاسد سابقا.
هاذان الامران كانا يتأثران بالموقف الرسمي لكل من ايران وروسيا، فالايرانيون كانوا يعتقدون ان ثمة انحرافا في سلوك القيادة السورية، الذي كان يفسّر على انه غزلاً مع امريكا وروسيا وتركيا.
وانه مدعوم بموقف عربي كان داعم لفكرة الحياد وكان يأمن ان يغير ، النظام السوري من سلوكه الضار بسوريا اولاً، والتي ادّت الى عزله عن المحيط العربي بعد ان برئتها من تهمة كون سوريا قاعدة ايرانية.
من جانب آخر يقول البعض من المراقبين السياسيين ان موقف النظام السوري من تداعيات حرب غزة وجنوب لبنان، إنما يتأتى من نصيحة روسية للنظام فيها خصوصا الاسد وهي تجنيب سوريا ويلات الحرب، وربما التقسيم.
لا سيما وان خصوم النظام السوري ( جبهة تحرير الشام) والمجاميع العسكرية الكوردية ( قسد)، فضلا عن الدعم الامريكي والاسرائيلي من اجل تنفيذ خططهم، الذي هو احتلال سوريا ومن ثم تقسيمها.
فيما ورد في كثير من البحوث والدراسات التي صدرت عن مراكز البحوث الامريكية، فضلاً عن وسائل الاعلام الاسرائيلية، من انه ومنذ احداث 7 اكتوبر عام 2023 ( طوفان الاقصى) كانت امريكا واسرائيل والغرب يعتمدُ على خطط نظام الجنرالات والتي تمثلت بثلاث سيناريوهات:
1) ان الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو واسرائيل وتركيا يرغبون في تقليم اظافر ايران في المنطقة بعد نجاحها الكبير في تحولها الى لاعب كبير واساسي في منطقة الشرق الاوسط وكداعم كبير لقوى المقاومة في غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق. وان هذا الامر قد جرت مناقشته والتفاهم عليها بين الامريكان والروس والاتراك.
2) اما السيناريو الثاني، وهو الذي عبرت عنه مؤسسات الامن القومي الامريكي والروسي،
التي نصحت بتغيير رأس النظام السوري ، والمجيء بشخصية عسكرية سورية، لكن
ايران هي الدولة الوحيدة التي عارضت هذا الاقتراح.
والغريب في الامر، ان اجهزة مخابرات الدولة الاسلامية الايرانية قد حذرت الاسد من هذا السيناريو، لكنه، اي الاسد فسرّها بشكل معاكس، حيث اكتفى بالصمت لما يجري في المنطقة، وقد عزّز ذلك اطمئنانه لوجود الروس، فضلاً عن دعم حلفاءه الآخرين له.
وكان قد اعتقد بواقعية سياسية مريضة... على انه يرضى بالواقع السياسي، الذي خرجت ما نسبته اكثر من 32% من البلاد على سلطته معزياً نفسه باستقرار الأمر اليه في العاصمة دمشق.
٣-اما عن السيناريو الذي اشتغلت عليه المخابرات الصهيونية والامريكية والتركية، فقد كانت تستند مبرراتها وعملها على نجاح المقاومة الوطنية في غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق، التي كانت مدعومة بستراتيجية ( وحدة ساحات المقاومة).
لقد كانت هذه الستراتيجية مدعومة بشكل كبير، النجاح قد يقوي جهود المقاومة ومن ثم فتحها جبهة الجولان التي تعد من الخواصر الخطيرة التي تهدد امن الكيان المحتل.
هذا الامر هو الذي جعل الجنرالات الاسرائيليين وبعد يومين من وقف اطلاق النار مع لبنان، اي يوم 10 و 11 من شهر كانون الاول لتدمج كل هذه السيناريوهات لتفتح ابواب تركيا لاكثر من 24 فصيلا مسلحا للتقدم من ادلب الى حلب الى حماة الى حمص ويحتصر دمشق خلال 48 ساعة بلا قتال …؟ وبأنسحاب يبدوا انه مدُبر جرى مع وزير الدفاع السوري (عباس علي محمود) ورئيس اركانه بمعرفة ومراقبة القواعد والقطعات الروسية!!.
وهنا علينا ونحن ندقق في السيناريوهات السابقة ان ننتبه الى النقاط التالية:
1- كيف اجتمعت وكيف سُلحت وجُهزت هذه الاربع والعشرين فصيلا خلال فترة قصيرة لاسيما وانها اصول عرقية مختلفة ليست سورية ولا حتى عربية جمعت (الاوزبكي ،الشيشاني، الاذربيجاني ، الالباني وحتى الافارقة).
2- ان هذه المجاميع الارهابية مسلحة باحد التجهيزات والمعدات العسكرية ومدعومة
بطائرات الدرون.
3- انسحاب اكثر من ثلاثين الف جندي سوري و ثلاثة آلاف متطوع لبناني، والفي خبير
ايراني امام الف مقاتل محترف كما يقول الرئيس بوتين في حديثه للصحفيين يوم 22 /
12 / 2024.
٤-ولا نعرف كيف أديرت هذه المعركة ومن هي القيادة العسكرية التي ادارت لوجستياً هذه المجاميع المسلحة وهل صحيح ان قواعد تركية ، قطرية ، امريكية، قدمت الدعم والاسناد المادي والمالي والذي كان واضحاً على نوعية الاسلحة المستخدمة والملابس واجهزة التشويش واجهزة التوجيه الاستخباري مترافقة مع قصف اسرائيلي للقواعد والمطارات والمعسكرات السورية في هذه المدة.
ونحن نُقلب تطورات المشهد السياسي السوري ، بعد اكثر من نصف شهر اعتقد اننا يجب ان نؤشر على مايلي :
- هل نضع الديمقراطية وراء ظهورنا؟.
- هل نضع التداول السلمي للسلطة خلفنا؟.
ونقرأ الفاتحة على كل الحكومات الوطنية العربية سواء (التي جاءت من حاضنتها العسكرية او من ديمقراطياتها الشكلية ، اومن عوائليتها التاريخية ) لتحل محلها المجاميع المسلحة القادمة والمدعومة من الخارج بحجة تحقيق الحرية.
والامر الثاني، هل ان التعبير عن الرغبة في نيل الحرية عن طريق السلاح هو الاساس في عمليات الاصلاح والتغيير في بنيان تجاربنا السياسية ..وتعديل مسارات دولنا العربية .
وهل صحيح اننا في تغيير الانظمة وفق الانموذج السوري قد ربحنا الشعب وخسرنا الدولة؟.
تُرى كم دولة سنخسر وفق فرية الحرية هذه وكم دم سيسُال وهل انتقلنا من تجربة الحكومات الوطنية الغاشمة الى احتلالات مغلفة بملابس حقوق الانسان وحرية المكونات وحرية المرأة !!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟.
وهل ان العرب وسوريا سيستبدلون احتلالات بأحتلالات جديدة ..وهل صحيح ان مايعيشه العرب الأن سببه خيانة حكوماتهم لشعوبهم ودولهم ..قبلت ان تعيش مرحلة انتداب ووصاية واحتلال من نوع جديد .
نعم ، ربح الشعب السوري حريته ..لكن في ذات الوقت خسروا دولتهم…