فاتح عبد السلام
هناك مَن يقول: لِمَ العجبُ والتعليقُ والتأويل فهذه هي الحياة، ثمة مَن يختار الفرح والمتعة، وقريبا منه مَن يقع في مستنقعات الحروب وينغمس، طوعاً او كرهاً، في الدماء والنيران. ولتفسير وجهة النظر هذه، يزيدون بالقول: “هذا هو لبنان»، وهم يشيرون الى جمهرة من فنانين لبنانيين لا معين يجتمعون في موسم فني في الخارج « العربي، الإسلامي» مع نجوم عالميين، وسط اضواء، وبذخ، وبهرجة. لكن هناك بلداً يحترق، أو يتفسخ، حرب ستأكل الأخضر واليابس بغض النظر عمّن يبيع او يشتري الأخضر واليابس، بلد ليس في قارة اخرى، بلد لايزال يحمل أولئك الفنانون جوازات سفره، من دون ان يستطيعوا ان يحملوا من همومه “كلمة” في مناسبة ذات طابع عالمي ، تكون للهمسة أو الكلمة او الايماءة فيها دلالة عالية التأثير.
يقولون انها “عقود فنية” لا يمكن الاخلال بها وانّ الحرب طالت ولا يعرفون متى ستنتهي ولا يمكن إيقاف اعمال الناس. وجهة نظر تقف حقيقة نازفة بعنف قبالتها تلك هي تعطيل مصادر «قوت عيش” ملايين الناس في لبنان وليس اعمالهم التجارية والفنية والاستثمارية، وكذلك الحال من قبل في قطاع غزة الذي طواه نسيان عربي لولا ”الاضطراريات” الإعلامية بحكم الجغرافيا والديموغرافيا.
في التاريخ القريب شواهد للاستدلال والعبرة، فقد كانت هناك حرب أمريكية تسببت في احتلال العراق العام2003 وبالرغم من حشد المعارضة” العراقية” في ذلك الزمن كل جهودها لدعم احتلال الأجنبي للبلد من اجل الغنيمة السياسية، الا انّ اكثرهم خسةً وعمالةً ودونيةً و انحطاطاً وبيعاً للشرف والتاريخ والانتماء لم يجرؤ في وقتها على أن يفتح فمه ويجاهر بما يوحي باحتقار جلال الموت الذي كان ينزل على الناس، اذ كانت القنابل تنهال على البلد كلّه أبيضه وأسوده وأخضره وأحمره. ولنتخيل انّ فنانيين عراقيين يقيمون حفلة في الخارج في ذلك التوقيت الدموي!!
كيف يغني “انسان” وأهل بيته يتمزقون تحت القنابل؟
بالتزامن مع الفعالية اللبنانية العالمية في العاصمة الباذخة، كان يقف الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي أمام نجوم العالم، غير قادر على نا يفتتح المهرجان قبل اعلاء اسم غزة واسم لبنان، ولو بكلمة عابرة، حتى لو اعتبرناها من باب اسقاط الفرض. لكنه فعلها، وقال انهم ألغوا الدورة السابقة للمهرجان بسبب اندلاع الحرب.
من المؤكد انه، لا حسين فهمي سيغير موازين الحرب، ولا نانسي عجرم ستظلل بلادها بالسلام، فالاثنان في هذا الظرف التاريخي يدخلان من باب «ما زاد حنون…» لكنه كلام الغيض من فيض في سياق تاريخ فني، ما دام انه لا يزال مسموحاً للعرب كتابة تاريخهم الفني بدل السياسي، على افتراض انّ الفنانين في زمن الموت والدمار والنزوح، بشر أيضاً، مثل أهالي لبنان و فلسطين.