الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من يعرقل تشريع قانون النفط والغاز ؟

بواسطة azzaman

من يعرقل تشريع قانون النفط والغاز ؟

كوفند شيرواني

 

‏أصبح للعراق دستور جديد في العام 2005 بعد أن صوتت عليه غالبية الشعب العراقي في استفتاء أجري في 15 تشرين الأول من العام 2005 , ودخل الدستور الجديد حيز التنفيذ عام 2006. لكن, وبعد انقضاء 18 عاما لا يزال الكثير من مواد الدستور تنتظر تشريعها بصيغة قوانين لتملأ الفراغات التشريعية وتنظم إدارة مفاصل الدولة ومؤسساتها بما يضمن خدمة أفضل للمواطن العراقي المعني أولا وأخيرا بكل ذلك.

مسودة أولى

‏ومن القوانين المهمة, وربما أهمها, التي تنتظر التشريع, قانون النفط والغاز الاتحادي, رغم أن مسودته الأولى أعدت منذ العام 2007 وكانت بتوافق بين الأطراف السياسية المتنفذة في الدولة, ‏وفي تلك السنة أحيلت هذه المسودة إلى مجلس شورى الدولة الذي قام بتعديلات كبيرة تجاوزت الشكل الى المضمون بخلاف الدستور وخارج صلاحيات المجلس ومتجاوزا التوافقات السياسة على المسودة. فكان أن تعطلت هذه المسودة ولم ترسل إلى البرلمان للتصويت ولم ترى النور منذ ذلك الحين. ‏وفي الأعوام التالية, طرحت مسودات أخرى للقانون في العام 2011 و العام 2023 , وقد قدم اقليم كردستان كذلك رؤيته للقانون في العام 2023. ‏وتكشف المسودة الاخيرة تقاربا واضحا بين منظور وزارة النفط الاتحادية مع رؤية وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم في معظم المواد القانونية المقترحة لكنها لم ترقى بعد إلى التوافق التام رغم تبادل عشرات الزيارات واللقاءات لوفود رفيعة المستوى بين بغداد وأربيل. ‏وقد يتصور البعض وربما تروج بعض وسائل الإعلام أن الإقليم هو حجر عثرة في تمرير هذا القانون, لكن الأمر ليس كذلك, فإن تمرير القانون يفيد الاقليم ويعالج واحدا من أهم الملفات العالقة مع الحكومة الأتحادية, كما ان تمرير القانون يحتاج توافقا ليس بين بغداد وأربيل وحسب بل وبين الأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية في بغداد, ويبدو أن هذا التوافق الثاني لم يتحقق إلى وقت كتابة هذه السطور.

 وبرأيي كاتب هذا المقال و بحسب ما ذكره بعض خبراء القانون والاقتصاد أن ثمة عناصر أو أسس يفترض أن يشملها و أن يؤكد عليها قانون النفط والغاز الجديد, وتلخصها النقاط التالية :

‏ملكية مصادر النفط والغاز: هذه الملكية لموارد النفط والغاز, ولعموم الثروات الطبيعية هي لعموم الشعب العراقي وهي موضحة في المادة (111) من الدستور التي تنص على (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) ‏وهذا الأمر منطقي وعادل ولا خلاف عليه, فحتى المحافظات والأقاليم غير المنتجة للنفط تعتبر مالكة للنفط و تستحق نسبة من إيراداته اسوة بالمحافظات المنتجة.

ادارة النفط

‏إدارة مصادر النفط والغاز: من المنتظر أن تكون إدارة النفط والغاز بالمشاركة بين الحكومة الاتحادية مع الأقاليم والمحافظات المنتجة وذلك بحسب نص المادة (112-أولا) من الدستور ونصها (تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد ..) 

‏رسم السياسات الإستراتيجية للنفط والغاز

‏أشارت المادة (110) من الدستور الى حصرية اختصاص السلطات الاتحادية بـ (رسم السياسة الخارجية و رسم السياسة الاقتصادية التجارية الخارجية... ). ‏وفيما يخص رسم سياسات الثروة النفطية, فقد أشارت المادة (112- ثانيا) بالنص التالي (تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروات النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي ...). ‏وهذا النص يبين بوضوح أن الشراكة بين الحكومة الاتحادية و الأقاليم والمحافظات المنتجة تمتد من (الادارة) إلى (رسم السياسات الاستراتيجية) على نحو نحو متوازن ومنسق.

‏العدالة في توزيع الواردات :

‏هذا الجانب المهم والمشار إليه بوضوح في المادة (112-أولا), مدون نصها في الفقرة السابقة, حيث ورد تأكيد على تحديد حصة لمدة محددة للإقاليم المتضررة والتي حرمت منها (أي من الواردات) بصورة مجحفة من قبل النظام السابق. ‏وفي السياق ذاته, أي توزيع الإيرادات بشكل عادل, أضافت المادة الدستورية (121-ثالثا) و نصها (تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديا تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها....) ‏وهذه النصوص الدستورية تشير بوضوح ان عدم وجود عدالة في توزيع إلأيرادات يمثل خرقا لأكثر من مادة دستورية.

‏موقف إقليم كردستان من قانون النفط والغاز العراقي

‏كانت هناك خلافات مستمرةعلى مدى سنوات طوال بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان حول إدارة الموارد النفطية والغازية في الأقليم . ومرت هذه الخلافات بمراحل زمنية متفاوته, تخلل بعضها توافق وتقارب وتفاهمات واتفاقات رسمية, وفي فترات أخرى كان هناك اختلاف في وجهات النظر وصل الى حدود الشد والحملات الإعلامية والدعاوى القضائية على الإقليم وسلطاته في إدارة قطاع النفط فيه, ‏وللأسف, أنسحب الخلاف النفطي سلبا على مجمل العلاقات بين الحكومتين.

‏وقد حصل تحول نوعي في العلاقات بين بغداد وأربيل أثر تسلم السيد محمد شياع السوداني كابينته الوزارية في نهاية العام 2022 والتي تزامنت مع الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كردستان برئاسة الأستاذ مسرور بارزاني, فكانت الجدية والارادة السياسية الصادقة واضحة لدى الحكومتين للخروج بتفاهمات واتفاقات تضع نهاية للخلافات حول الملف النفطي.

‏وانعكس التقارب الكبير بين الحكومتين على أجواء المباحثات والمداولات بين الوفود الوزارية التي زارت بغداد في السنوات الثلاث السابقة وأظهرت تقاربا واضحا في وجهات النظر للخروج بصيغة توافقية للقانون, وقد قدمت حكومة الإقليم رؤيتها للقانون الجديد وضحت فيها بعض الخطوط العريضة المتمثلة في:

‏ضرورة مراعاة الوضع الدستوري لإقليم كردستان العراق المكفول بالمواد الدستورية (116) و (117), ‏ضرورة الالتزام بالنصوص والمواد الدستورية ذات العلاقة بالشأن النفطي وهي المواد (111) و (112) بصورة كاملة غير مجتزأة وفي سياق واحد يضمن التأكيد على شراكة فعلية بين الحكومة الاتحادية والمحافظات و الأقاليم المنتجة في إدارة ووضع استراتيجيات النفط والغاز, و‏أهمية احترام بنود الورقة السياسية لتحالف (إدارة الدولة) وبرنامج الحكومة العراقية منذ عام 2022 والذي تضمن حل الاشكال النفطي وتمرير قانون النفط خلال ستة أشهر, وكذلك تطبيق الاتفاق المبرم بين الحكومتين في الرابع من نيسان عام 2023 والذي يتعلق بإدارة الملف النفطي في الإقليم وتوزيع المهام والالتزامات بين الطرفين والتوافق كذلك على تضمين بنود هذا الاتفاق في مسودة قانون النفط والغاز الجديد.

‏الأضرار الناجمة عن عدم تشريع قانون للنفط والغاز

إن عدم وجود قانون نافذ للنفط والغاز في العراق يعد بحق مفارقة في بلد نفطي يعتمد اقتصاده على ايرادات النفط بنسبة تتجاوز الـ 90 بالمئة . ويمكن ايجاز الأضرار الناجمة عن عدم وجود هذا القانون بالجوانب التالية:

‏احتكار القرارات في الصناعة النفطية: هذا الانفراد بالقرارات مكرس بيد أشخاص قلائل في رئاسة الحكومة وفي وزارة النفط, وبالتالي يفقد هذا القطاع الادارة الجماعية التي تضم العديد من المتخصصين والتي تضمن صواب القرارات وجودة نتائجها. و في مسودة القانون الجديد، توجد مادة تقترح انشاء (مجلس اتحادي للنفط والغاز) يعنى بوضع الخطط والسياسات الاستراتيجية للنفط والغاز على مستوى البلاد، وفي ذلك فصل واضح بين سلطات التخطيط وسلطات التنفيذ في وزارة النفط ودوائرها، وفي حال تشكيل هذا المجلس, فان تغيرا نوعيا سيطرأ على اداء المؤسسات النفطية وتفرعاتها.

كما ان ‏الانفراد في القرارات قد يفتح منافذ عديدة للفساد ستقضم جزءأ كبيرا من إيرادات الثروة النفطية التي يفترض أن تسخر بالكامل لصالح الشعب العراقي, خاصة عندما تكون تلك القرارات بيد أشخاص غير متخصصين أو تنقصهم الخبرة اللازمة في المفاصل المهمة في عمل المؤسسات النفطية.

‏عدم وجود قانون نافذ للنفط (وتعليمات تسهل تطبيقه) سيعطل كل الجهود الرامية الى تطوير الثروة النفطية وتنمية مواردها وفق نهج التنمية المستدامة, وسيخلق بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية التي يعول عليها في استقدام خبرات وتكنولوجيا متطورة تحتاجها الصناعة النفطية في البلاد والتي بامكانها تطوير الانتاج النفطي كما ونوعا و وفق المواصفات الدولية.

‏من المستفيد من عرقلة تشريع قانون النفط ؟

‏لا يخفى على المتابعين للشأن السياسي العراقي أن بعض الجهات السياسية المشاركة في الحكومة والتي يفترض أن تساند حكومة السوداني في الإيفاء بتعهداتها في تشريع قانون النفط خلال فترة وجيزة (ستة أشهر حسب البرنامج الحكومي), لا تبدو متحمسة لتمرير هذا القانون وتسعى الى افتعال المشاكل والى تدوير تشريع القانون إلى الدورة البرلمانية المقبلة. ومن المرجح ان هذه الجهات لا ترغب أن تنجح حكومة السوداني الحالية في حل اشكال أخفقت فيه الحكومات السابقة, لكيلا يصبح ذلك مكسبا لها, أي لحكومة السوداني, ومعينا للتجديد لدورة ثانية بعد انقضاء مدتها القانونية وهي أربع سنوات بدأت من تشرين الثاني ٢٠٢٢.

‏ومن الواضح كذلك, ومن مراجعة مسيرة وزارة النفط خلال السنوات السابقة, أن بعض الجهات المتنفذة في الدولة لا تعمل فقط على عرقلة تشريع قانون للنفط والغاز وحسب, وانما كانت تعرقل و بشكل جلي المشاريع التطويرية للوزارة في الكثير من المفاصل المهمة, منها استثمار الغاز الطبيعي والاستثمار في المصافي وكذلك الأستثمار في الصناعات البتروكيمياوية, وفي ذلك خدمة لمصالح حزبية ضيقة ولأجندات خارجية تريد ابقاء البلاد مستوردة للمشتقات النفطية والغاز الطبيعي والكهرباء من خارج البلاد مما يحمل الموازنة العامة مليارات من الدولارات كان بالإمكان توفيرها في حال الاستمرار في استثمار هذه الجوانب في الصناعة النفطية.

‏في الاسبوع الماضي, أعاد البرلمان العراقي مسودة قانون النفط إلى رئاسة الحكومة دون أن يخضع هذه المسودة  لقراءة أولى وثانية بحسب النظام الداخلي, ودون أي توضيح لاسباب الاعادة. نعتقد أن الهدف من ذلك هو صرف الأنظار عن هذا القانون و جعلها تركز على قوانين أخرى يراد لها أن تمرر في هذه الفترة لكنها تثير جدلا واسعا بين المكونات العراقية. من أهم تلك القوانين, قانون تعديل الأحوال الشخصية و قانون العفو العام, ويبدو ان كل قانون له جهات تدعمه لمصالح حزبية أو فئوية أو مناطقية, حتى وان تطلب تمريرها عقد صفقة سياسية واحدة تخدم المصالح الحزبية وأجنداتها ولا تكترث لأرادة الشعب العراقي ومصالحه العليا.

ورغم النوايا الجادة والجهود الحثيثة لحكومة السوداني وجهود المخلصين في وزارة النفط العراقية وتشكيلاتها وتناغم ذلك مع جدية وديناميكية الكابينة التاسعة لحكومة اقليم كردستان وتجاوبها ودعمها لبرامج ومبادرات الحكومة الاتحادية، فان ذلك كله لم يسلم من بعض المصالح الحزبية التي أتخذت موقفا سلبيا من الجهود الوطنية وصارت تسعى على الدوام لوضع العصى في دواليب الحكومة التي تدور من أجل تحسين الخدمات العامة واصلاح الاقتصاد والأستثمار الأفضل لموارد النفط والغاز و تحقيق حياة أفضل للمواطن العراقي مستحقة منذ عقود.

 

 


مشاهدات 137
الكاتب كوفند شيرواني
أضيف 2024/08/25 - 3:08 PM
آخر تحديث 2024/08/31 - 3:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 72 الشهر 72 الكلي 9988694
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير