الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق و(كوتا) الشعوب العظيمة

بواسطة azzaman

العراق و(كوتا) الشعوب العظيمة

كفاح محمود

 

رغم أنّ لغة العصر الحديث لم تعد تتحمّل التعامُل مع الإنسان على أساس ديني أو مذهبي أو حتى عرقي، حيث وضعت المجتمعات المتطورة بديلاً راقياً للتعامل ألا وهو المواطنة الجامعة التي ترتقي على كلّ ما ذكرته، وتكون نسيجاً متماسكاً منتمياً لوطن واحد تنضوي تحت خيمته كلُّ المكونات بمستوى واحد، صغيرة كانت أم كبيرة. أقول ذلك وأنا أناقش مسألة الكوتا على أساس ديني وعرقي بغياب مفهوم المواطنة، حيث تشعر المكوّنات الصغيرة في عددها في خضم عملية ديمقراطية غير مكتملة، وتعتمد على وسائلَ قبليةٍ وتأثيرات دينية أو مذهبية لحصاد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان. إزاء ذلك، ذهبت النخبُ السياسيةُ إلى منح تلك المكونات مقاعد بتسهيلات تضمن لها عدد من المقاعد بصرف النظر عن العدد أو التنافس العددي، وقد استخدمت هذه الطريقة أيضاً مع المرأة لتشجيعها على أخذ دورها في العمل السياسي.  في حقيقة الأمر هذه المكوّنات الصغيرة الحجم في عددها والكبيرة في تاريخها وأصالتها، تمتدُّ جذورُها في هذه البلاد ربما أقدم بكثير من المكونات الكبيرة أو الغالبة، لكن الصراعات وخاصة حروب الإبادة الدينية والمذهبية والعرقية حوّلها عبر التاريخ الأسود لهذه المنطقة إلى مكونات صغيرة الحجم لما تعرّضت له من عمليات تصفية وتغيير ديموغرافي وإذابة منظّمة في بوتقة القومية والدين الأكبر، ولذلك اقترحت بعض النخب منحها هذه الكوتا كتعويض متواضع جداً عمّا جرى لها عبر التاريخ.     في غالبية البلدان المتحضرة تمنح مكوناتها الأصيلة مواقع تنفيذية في رأس الهرم عرفاناً بماضيها وعراقتها وتأكيداً لانتمائها ومواطنتها مما يعزّز وجودها وارتباطها بالوطن، كما انها تمنح المهاجرين اليها فرص تبوء اعلى وارفع مستويات المناصب في رئاسة البلاد أو رئاسة الحكومات أو البرلمانات كما يحصل في أمريكا وبريطانيا والعديد من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية، وفي بلادنا استكثرت المحكمة (الاتحادية) العراقية على سكان العراق الأصليين في برلمان كوردستان مقاعدهم البالغة أحد عشر مقعداً، فألغتها بجرّة قلم لتغتال مشروعاً للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات وضعته النخبة السياسية الكوردستانية لتعزيز الديمقراطية والمواطنة حتى قبل قيام النظام السياسي الجديد بعد 2003.

   إن هذه المكونات تستحق أن تُمنَح مواقعَ في رأس الهرم التنفيذي والتشريعي والقضائي، لما عُرف عنها بأصالتها وإخلاصها ونقاء انتمائها، فالإيزيديون والمسيحيون بكافة قومياتهم أكبر بكثير من أيّ منصب تنفيذي أو تشريعي، إنهم تاريخٌ من المقاومة والإصرار على البقاء أمام طوفانات من حروب الإبادة الدينية والقومية والاقتصادية والاجتماعية، حقاً إنهم أكبر من كل هذه التسميات والمواقع لأنهم تاريخ شعوب تعرّضت للإبادة خلال مئات السنين، ودفعت خيرة أبنائها وبناتها قرابين من أجل الوجود والبقاء، وكانت من أكثر مكوّنات الشعب العراقي انتظاراً لبزوغ شمس الحرية لتطل منها على عالم جديد ينقذها من تراكمات التهميش والتكفير والإقصاء والإهانة والإبادة والاستعباد لمئات السنين والتي حوّلت قراهم وبلداتهم إلى ما يشابهها في العصور الوسطى، وبدلاً من تلك الأحلام جاء تنظيم (داعش) ليعيد كل ذكريات ومآسي الإبادة، فيبيح قتلهم وسبي نسائهم وحرق قراهم وبساتينهم حتى أصبحوا خارج الزمن.

تكريم شريحة

   إنّ تكريم هذه الشريحة وإعادة اعتبارها أكبر بكثير من الكوتا أو أيّ منصب رفيع، إنها أحوج ما تكون إلى حملة وطنية وقومية كبرى لإعادة الاعتبار لها وتعويضها من أجل معالجة جراحاتها المتكلسة منذ مئات السنين، فهي غارقة في البطالة والفقر المدقع والأمية، ويعيش أغلب أبنائها وبناتها تحت خط الفقر في ظروف معقدة، قد لا يصدّقها الكثير في بلد نفطي ميزانيته مئات المليارات.

   إن زيارة سريعة لقرى ومخيمات هذا المكونات الدينية والقومية ستُكشِف هولَ الكارثة التي تلمُّ بهم من كلّ النواحي الحياتية وخدماتها الأساسية في الصحة والتعليم والماء والكهرباء والسكن سواء النازحين منهم أو الذين عادوا إلى خرائب قراهم وبلداتهم.

   إنهم أكبر من كلّ المناصب، ففي تاريخهم من الصمود والمقاومة والانتماء ما يكفيهم أن يكونوا في صدارة كلّ المواقع!

 

 كوتا (بالإنجليزية: Quota)‏، تعني حصة أو جزءاً مخصصاً، تستخدم في العربية كلفظة مقابل للحصة النسبية في أنظمة نيابية مثل: الكوتا النسائية.

 


مشاهدات 338
الكاتب كفاح محمود
أضيف 2024/06/07 - 7:36 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 11528 الكلي 9362065
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير