فاتح عبد السلام
اكتشف العلماء قبل أيام ثقباً أسود عظيماً في مجرة “درب التبّانة” بإمكانه ابتلاع ثلاثين شمساً بحجم الشمس التي تشرق على كوكبنا كل صباح.
وهو اكتشاف علمي نادر، ليس له مثيل حتى الان الا في مقارنته بأوضاع بشرية لتكون الصورة اكثر وضوحا ودلالة، وذلك حين نعلم انّ كل الجهود لم تفلح في الإفصاح عن موقع «الثقب الأسود» الذي ابتلع ثروات العراق وكنوزه ومليارات نفطه منذ عشرين سنة. أجل مادامت دائرة الفساد تتسع بالساعات وليس بالأيام، في البلد ، فهذا يعني انّ هناك تاريخاً وجغرافيا وقيماً وتقاليد وبشراً وكفاءات يجري ابتلاعها في “الثقب الأسود العراقي” الذي بالرغم من اننا جميعا نعيش في وسطه إلا انّ أحداً لم يعلن بعد عن اكتشافه رسمياً.
الفساد لا يبتلع الأموال فحسب، ولو كان الامر محصوراً بأموال المشاريع والمقاولات التي تتدفق الى جيوب الحيتان الكبيرة ، لكن اقل ضرراً ممّا يحدث في العراق اليوم ، حيث ماتت ثقافة نظافة اليد وتربية البيوت والعشائر العريقة والمال الحلال وانهار بنيان الإباء والاجداد ،وقامت مكانها ثقافة الفوضى الاستباحية المقننة تحت المسميات السياسية والجهوية والحزبية والشخصية واللاهوتية المحمية التي تغزو البلاد من ادنى مدارس الأطفال حتى أعالي تراتبية الهيكلية العامة للدولة والعناوين، وانّ الأصوات التي تطالب بالخلاص والإنقاذ، تصبح مرشحة لتكون طعما جديدا لفكي الثقب الاسود ، ثم تغرقها هجمات المال الحرام وترمي بها بعيدا حتى تتلاشى أو تختنق أو تنسى.
لقد ابتلع الفساد القسم الأكثر اشراقا من وجه العراق، وباتت سمعته في نظر العالم تعيسة، وانّ الشر يعم بطريقة سريعة، وبات العراقي المحافظ على اسمه ونظافة يده وسمعته في سوق النخاسة حول «محيط الثقب الأسود»، كالقابض على الجمر في آخر الزمان، ولعلّ الزمان سيطلع غروبه من البقعة الأكثر تعرضاً لطعنات الفساد.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية